الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

إنه عالم ما بعد العاصفة يا سادة، ذلك العالم الذي وضعنا جميعًا في دائرة الحظر، وكأن العاصفة قد هبت لتُعطينا إشارة البدء لحياة من طراز مختلف. 

 

حياة يُعزل فيها الإنسان طواعية عن العالم، حتى  لا يلوثه أو يتلوث به. 

 

عالم يحظر على الإنسان، أن يضم أحبته، لتغلق الأذرع على الفراغ. وتخفق الروح عوضًا عن القلب من فرط الشجن.

 

عالم يباعد فيه الأحباب قبل البعد، نرتحل فيه عن بعضنا بعضا، قبل الرحيل الحقيقي، بوعاء كحولي من الحذر والخوف.    إحساس موحش بالعزلة الطوعية، النابعة من إجبار العقل، للحفاظ على الأحباب.

 

الأصدقاء الجدد هم "السرير، البطانية، الصمت الموبايل"، ولا تنسَ القائمة والدور المنتظر للكورونا البغيضة.

 

تذكرت أيضًا، فهناك صديق آخر، هو ذلك الخوف القابع في سيناريوهات الرعب المتداول، عبر التواصل الاجتماعي، أو  عبر وجبات البرامج الحوارية، التي تحمل نفس الطعم ونفس الرائحة.

 

وهناك صديق آخر  تذكرته، توًا، وهو ذلك الجدول المرقط بالأزرق، وفقًا لحسابات الكورونا البغيضة، الصادر عن منظمة الصحة العالمية.   ليأتي المساء محملًا بالأثقال، ويغلق القلب الجمعي بمغاليق منهكة، وتوصد الروح المعولمة، بأغلال من الغم، ويستمر الإنسان في عزلته، وهو متواصل في شيزوفرانيا متفردة، خلقتها لنا وسائل التواصل الاجتماعي، مع وافر الشكر، تحت شعار "نعم أنا متواصل"، "نعم أنا معزول"، "نعم أنا محظور".

 

وفي صوت سماوي مهيب يأتي الأذان، وأجراس الكنائس، لتعيد ترتيب المشهد، حيث ترتجف القلوب،  حين نسمع "ألا صلوا في بيوتكم، ألا صلوا في رحالكم"، فالأمان الحق، هو الله الرحيم الكريم الشافي الودود.   ثم يأتي الوطن في تدابيره المؤسسية الرشيدة، وقيادته المخلصة من جيش وشرطة، ومسؤولين، وأطباء وطواقم طبية، وإعلامية، أولئك الذين يحملون عنا هم المواجهة المباشرة، مع هذا البلاء المدبلج المسمى كورونا.

وفي وسط عالم العزلة والأصدقاء الجدد، تبدأ مشاهد البروفا، لتأتي رسائل السماء للإنسان، "أعد حساباتك أيها الإنسان على طاولة الحياة"، ثم تأتي الرسالة الثانية، لأولئك الذين صدّروا الرعب، وصدعوا إرادات الشعوب، وأبدعوا في فنون تسييل القيم،  واستخدام أفانين الذكاء الاصطناعي، وحروب الاقمار.  "الزموا حدودكم، وتبينوا جيدًا مكانكم الحقيقي على خارطة العليم القدير، الذي بيده مقاليد السموات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، وهو القاهر فوق عباده".

 

ثم تأتي الرسالة الثالثة، لأعداء الوطن، والذين استغلوا الحب الفطري للتدين، فأخرجوا الآيات  القرآنية من سياقها، وفرغوا الدين من الدينية المقدسة، وتلاعبوا بأقدس ما في الكون، من أجل مصالح سياسية ومكايدات دنيوية عابثة، فأغرقوا  عالمنا بشائعات مغرضة، مستخدمين شعارات مقدسة، لتجترح مهابة الدين والوطن، "فلتتقوا الله.. فمصر في عين الحق، واعلموا أن الذنب جلل، والشاهد هو الحق الحكم العدل".    

                     

ففي عالم  الكورونا، كلنا أمام الخوف سواء، الغني، الفقير، الدول النامية، والمتقدمة، فلقد خضعت الرقاب للحق، "وقد خاب من حمل ظلما"، "ففي عالم  الكورونا "ضعف الطالب والمطلوب"، فالعدو الخفي  قابع في رذاذ الجو، والسطح الملوث، وما بين عناقيد الحمض النووي، الهشة، هناك شيء حقير، قد يسلبنا الحياة.   ففي عالم  الكورونا لا توجد منطقة محصنة، ولا بشر محصنون، فالجميع يقتسم الوجع، الخوف، والمرض والمعلومة، والتحصينات.. فالأمير والوزير والخادم أمام مشهد مثالي للمساواة. 

 

رسالتي، اليوم، لك عزيزي القابع خلف شاشات التواصل الاجتماعي، ألا تقنط من روح الله، فالكورونا ذاهبة، إن شاء الله.. ولكن، لا  يفوتك في زمن العزلة أن تعيش مشاهد البروفا.

 

فالبروفا، هي الزمن المثالي، لمراجعة الحسابات وإعادة تقييم المدخرات، وفقًا لحسابات حقيقية ودقيقة مئة بالمئة. 

 

فحساباتك الحقيقية، ومخزونك الاستراتيجي،  يقتصر  على كودين فقط، "الكلم الطيب، والعمل الصالح"، وهما كلمتا السر للعبور  الآمن لدار الحق، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.. فهل وفيت ما عليك؟!  

 

المشهد الثاني للبروفا.. "صمت الروح، رغم النطق والحركة والوظائف الحيوية، وكأننا في حلم نتمنى أن ينتهي تمامًا كحال من هم في عالم البرزخ، لدينا الكثير، لكننا لا نستطيع العمل كسابق عهدنا.. فهل أديت؟!". 

 

المشهد الثالث.. مدخرك مع الأبناء   "هل لديك أبناء يعينون على نوائب الدهر، أم هل لديك أبناء يعانون هشاشة الروح والقيم، ينتمون لفئة أبناء الوفرة، والتواصل الاجتماعي، الذي يشبهني   كثيرًا بقطع المارينج، سهلة الكسر، برغم من ظاهرها الكريم.. فهل ربيت؟!".   المشهد الرابع، دورك كمعلم، إعلامي، طبيب، مهندس، عامل، "هل أديت حق المهنة، هل علمت العلم لوجه الله، هل أصلحت، وعدلت وهل طببت ولم تجترح ستر البيوت وستر الزمن، وستر العباد.. فهل فعلت؟!".

 

المشهد الخامس.. بروفا لنعمة الوطن، "أظنك أدركت معنى الأرض، معنى الوطن العطوف، الذي وفر كل ما يستطيع وما لا يستطيع لخدمتك، اصطف قائده ورجاله، ومؤسساته الحكومية، والمدنية، في سابقة مؤسسية ميدانية، علمية، إنسانية، فريدة، لم نعهدها في سابق عهود مصر.. فهل أدركت نعمة أن يكون لديك وطن آمن، ولست من العالقين، أو قاطنًا في معسكرات اللاجئين، فرج الله عنهم، فهل أدركت؟!".                      

 

 المشهد السادس.. "استشعار نعم الله الصامتة، من سلامة جسد وعافية بدن، وأمن روحي ومعنوي ظاهرا وباطنا، نعمة الروتين الحياتي الممل، سابقا، والمدعو بالأمل، حاليا، فهل شكرت؟!".

 

علينا استغلال فترة الصمت الطوعي، قبل الصمت الإجباري؛ حيث "لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم".

  

فالكورونا راحلة، إن شاء الله، ولكننا راحلون أيضًا كل في ميعاده، فلكل أجل كتاب، وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، فعش في بروفا الكورونا بكامل قواك العقلية والمعنوية، والروحية، وفجّر أوصالها قبل أن تمسك بسوء، وحاسب نفسك، قبل أن تُحاسب، فالجميع يعايش الصمت الطوعي.

 

  احذر أن يأتي وقت الصمت الإجباري، وأنت خاوي اليدين.. اخرج من البروفا أكثر صلابة، وإرادة، وشكرًا على نعم الله الصامتة، والحاضرة الظاهرة، والباطنة.

 

واعلم أن لك وطنا عظيما، حنونا، قبّل ترابه، واخدمه بعزم المحارب. 

واحذر أن يكون مدخرك في عالم الحق، يقبع في خانة الصفر، واحذر أن يكون لديك عمل ضخم لكنه هش، منزوع النية، ليقبع هو الآخر في ميزان "قد قيل".      

 

مهم جدًا أن يكون مدخرك من الأبناء، ليسوا كقطع المارينج.

 

تم نسخ الرابط