الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

رئيس كازاخستان يكتب "وصية آباي الروحي"

رئيس كازاخستان
رئيس كازاخستان

تحتفل كازاخستان خلال هذا العام ٢٠٢٠، بمرور ١٧٥ عامًا على ميلاد الشاعر والمفكر ورائد التنوير العظيم آباي قونانباي أولي.

 

وكتب رئيس جمهورية كازاخستان نور سلطان نزار بايف مقالًا بعنوان "وصية آباي الروحي" نشرتها سفارة كازاخستان بالقاهرة على صفحتها على فيس بوك، جاء فيها:

 

لقد أثبت تاريخ البشرية مرارا وتكرارًا أن الشخصيات العظيمة تولد في عصور حرجة عندما ينهار القديم ويبدأ الجديد في الظهور، فينتقل المجتمع من حالة إلى أخرى. ولو اجتمعت في شخصية ما صفات معينة ووجدت عوامل خاصة للزمن الحرج فإن ذلك كله يحدد المهمة الفريدة لتلك الشخصية ومصيرها المتميز.

 

إن شخصية آباي قونانباي ظاهرة بارزة للفترة الانتقالية الحرجة فهو بمثابة "جسر ذهبي" يربط الماضي بالمستقبل. تزامنت حياة آباي مع وقت فقد فيه المجتمع الكازاخي نظام الحكم السياسي السابق القائم على سلطة الخان. لم يعد المجتمع الكازاخي حرا كما كان في الماضي فوجد نفسه أمام مستقبل غامض. بدأت نموذج حياة الرحل في الاندثار وأخذت ملامح الحياة المستقرة في الانتشار داخل المجتمع الكازاخي أكثر فأكثر. انتهى عصر البراعة العسكرية وحل محله عصر المعرفة الحديثة.

 

أصبح الشاعر العظيم والمفكر العبقري آباي مؤسسا لعصر التنوير والنهضة في السهوب الكازاخية في القرنين التاسع عشر والعشرين. وعدّ تراثه الذي لا يقدر بثمن دليلا أخلاقيا يرشد الشعب الكازاخي في طريقه إلى المستقبل.

 

لقد أشار العالم البارز قودايبرجين جوبانوف وهو يقارن آباي بأعلام الثقافة الأوروبية أن آباي بمثابة "دانتي في زمنه" حيث إنه أدى دورا تاريخيا بلسانه الفصيح. لعب آباي لعب دورا تاريخيا بوصفه سيد للكلمات، كما حقق إنجازات كبيرة في الفن الكلامي الشعبي من خلال قوة الاختراق الإبداعي. وبذلك استطاع تغيير نظرة المجتمع إلى العالم وتركيبته النفسية والأخلاقية. لو كان بوشكين من أبرز أعلام الشعب الروسي ووليام شيكسبير من أعلام الإنجليز ويوغان غوته من أعلام الألمان ووالت ويتمان من أعلام الأمريكان فإن آباي يعتبر بلا شك أبا روحيا للشعب الكازاخي كله.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي بدا أنه غير قابل للانهيار، ظهرت أمامي مهمة بناء دولة مستقلة جديدة في تلك الفترة المتقلبة وغير المستقرة. حينها لجأت مرة ثانية إلى وصايا آباي الحكيم ومن خلال تأملاتي فيها رسمت في ذهني صورة لمستقبل بلادي.

 

نتيجة تعمقي في عالم آباي لاحظت أن معرفة عظمة هذا العبقري شيء والوصول إلى التفكير المماثل لتفكيره والتفاهم معه والاعتراف بأنه شريك أمين لحياتك شيء آخر تماما.

فإذا تساءلتم "من أين بدأت معرفتي لآباي"؟ فلا أبالغ لو قلت إنني من صغري ذقت روح إبداعه. لقد تمتعت جدتي ميرزابالا وأمي ألجان بفن إلقاء الشعر ومعرفة الأدب الكازاخي الشعبي. في إطار التربية التقليدية المنزلية كنت أسمع منهما عديدا من القصص الشعبية والأساطير والحكايات الشعرية. فأصبح ذلك بداية طريقي المؤدي إلى عالم آباي.

 

بعدما أنهيت الصف التاسع، أخذتني أمي، التي لا تنسى، إلى كاسلكيلين وألحقتني هناك بالمدرسة الثانوية باسم آباي التي فَتحت أمامي آفاقا جديدة وإمكانيات عظيمة. هناك أدركت أن كوني تلميذا للمؤسسة التعليمية الحاملة اسم الشاعر العظيم شرف كبير لي من ناحية ومسؤولية كبرى من ناحية أخرى. وبالطبع كان زملائي يعرفون ويحفظون عن ظهر قلب الأعمال الأدبية لآباي المقررة في البرنامج التعليمي المدرسي والتي تناولت موضوعات التنوير والعلوم والإنسانية والطبيعة.

 

ولكنني شخصيا تأثرت بشكل خاص بملحمة "إسكندر" المليئة بالتأملات الفلسفية العميقة والتي كنت أتمتع بإعادة قراءتها مرات عديدة. على ما أذكر عندما كنت لا أفهم شيئا مما أقرأه كنت أطرح سيل من الأسئلة على أستاذ اللغة والأدب الكازاخي عباس بيسينبيتوف حتى يتضح لي الغامض. كنت أرسم في مخيلتي عالم اليونان القديمة حرصا على معرفة المزيد عن الأنظمة السياسية وتاريخ الفكر الفلسفي في العصور القديمة. هكذا حثني إبداع آباي على توسيع دائرة اهتماماتي ومعارفي.

 

متبعا لحكمة آباي التي تقول "الساعي ينتظره التوفيق" قررتُ بعد التخرج في المدرسة عام 1958 أن أتوجه إلى ساري أركا- قلب الأرض الكازاخية- ثم إلى أوكرانيا وبالتحديد مدينة دنيبرودزرجنسك. كانت هذه إحدى نقاط التحول في حياتي.

 

"كن أجيرا وسافر خارج بلدك ثم ارجع إلى وطنك بربح" – أليس هذا ما نصح به آباي الشباب الكازاخ الذين لم يروا آفاقا أخرى غير رعي الغنم؟! كان يقصد بهذا الكلام:

 

"لا تقسّم العالم إلى قريب وبعيد، بل تجوّل حول العالم كله بحثا عن المعارف، تعلم المهن، اعمل بجد واكتسب رزقا". تعوّد أبناء جيلي من صغرهم على العمل الشاق. فنشأنا ونحن نساعد أباءنا في أعمالهم. أثناء عملنا جنبا إلى جنب مع الكبار كنا نقوم بقص العشب ورعي الغنم وتقطيع الحطب وزرع الخضار والفواكه وغير ذلك الكثير. لاحقا عندما غادرت قريتي متوجها إلى مدينة تيميرتاو واصلْتُ عملي في مصنع "كارميتكومبينات" بين الأفران النارية والمعادن المنصهرة.

 

عندما أتذكر حياة أبناء جيلي أدرك أننا جميعا نُعدّ تلاميذ مدرسة آباي العظمى لأننا كنا نستمد المعرفة من بحر أفكار آباي العظيم.

 

ويعد آباي قونانباي، معلمًا وملهمًا لكل بني الإنسان وليس الكازاخ وحسب، ومن كلماته وأشعاره تشعر بمعنى الوطن، وقيمته، وقيم الإسلام الحقيقية، مضيفًا أنه يعد علامة مشرقة في تاريخ الكازاخ كفيلسوف وشاعر ومترجم ومُلحّن ومؤسس للأدب الوطني الكازاخي الحديث وتعكس أعماله شكل وطبيعة حياة الشعوب، وكذلك مفردات وصور الإيمان وعمق وقوة اللغة التي استخدمها هذا الشاعر العظيم.

 

تم نسخ الرابط