أَودغست.. مدينة "الذهب" في غرب إفريقيا
تُعتبر مدينة أودغست Audghust من المدن التجارية القديمة التي تقع جنوب غـربي الصحراء الكبرى، وأطلالها لا تزال موجودة حاليًا في دولـة موريتـانيا الإسلامية.
ومدينة أودغست تعتبر من المراكز التجاريـة المهـمة في تلك المنطقة، لا سيما بفضل تجـارة الـذهب والملح، حيث كان التجار الأفارقة القادمين من الشمال يشترون الذهب الإفريقي بألواح الملح.
وكـان الـذهب القـادم من أراضي الممالك الإفريقية القديمة، ومنها مملكة غـانـا القديمة وكذلك مملكة مالي القديمة، يُصدر من مدينة أودغست، وأيضًا كان يتم تصفية خام الـذهب الإفريقي بها وصهره، ومن ثم تنقيـته من الشوائب حتى صار ذهب أودغست لها شهرة كبيرة في مناطق غرب إفريقيا، وعلى هـذا عرفت المدينة بجودة ما كان يباع بها من سبائك المعـدن النفيس (الذهب)، ولهذا يذكر المؤرخ الأندلسي أبو عبيد البكـري (عاش خلال القرن الخامس الهجري/ القرن الحادي عشر الميلادي)، وكذلك غيره من المؤرخين الكلاسيكيين (القدامى) "إن ذهب أودغـست يعتبر أجود ذهب الأرض وأصحه".
وكـان يتم توريد الـذهب إلى "أودغست" خـامًا، ثم معالجـته في معامل وورش هذه المدينة، ثم صناعة السـبائك الذهبية أو العمـلات، ومن ثم فقد كـان الطلب على الذهب المُصدر من أودغست كبيرًا، خاصة في حقبة "العصر الفاطـمي" لا سيما خلال سيطـرتهم على أراضي بـلاد المغرب وشمال إفريقيا، ويزداد الطلب بصفة خـاصة على الذهب القادم من أودغست عبر مدينة سجلمـاسة جنوب المغرب.
كما اشتهرت مدينة أودغـست بـ"تجارة الملح"، وكـان يصدر منها إلى ممالك وإمارات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولعل أهم مناطق إنتاج الملح منطقة تعرف باسم "مناجم أوليـل" (السنغال حاليًا)، والتي كـانت تبعد مسيرة شهر تقريبًا عن مدينة أودغـست، أي حوالي 1200 كيلومتر.
وعندما قلت أهمية ومكانة مدينة "أودغست" التجارية بمرور الزمن، أخذت مكـانتها وأهميتهـا في حركة التجارة الصحراوية في غرب إفريقيا مدينة أخرى تعرف باسم: "تغـازي" (موريتانيا حاليا) وصارت الأخيرة مركزًا مهمًا لتصدير الملح إلى أسواق غرب إفريقيا.
وعلى هذا، فإن الرحالة المغربي ابن بطوطة في رحلتـه المعروفة في غرب إفريقيا خلال حقبة القرن الثامن الهجري/ القرن الرابع عشر الميلادي من مدينة سجلمـاسة (جنوب المغرب) لم يتحدث عن مدينة أودغسـت التي كانت فيما يبدو قـد أفل نجمها.
أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي



