«جين البطولة والفداء».. من الآباء إلى الأبناء .. واجعـــــــله الـــوارث مــنا
لم تورّث مصر لأبنائها ذهبًا مكدسًا أو معادن ثمينة بلا حدود، لكن ورّثتهم ما هو أثمن وأهم، ألا وهو البطولة والفداء والقدرة على البَذل والعطاء والتضحية فى مواجهة الأخطار والمُلمات الكبرى..
يظن الكثيرون أن البطولة قاصرة على الشهداء.. وهذا وَهْمٌ شائعٌ، فبطولة الأحياء لا تقل عن بطولة الشهداء، فمن يُعَمّر ويُنمّى ويَستصلح الأرضَ ليس أقل منزلة ممن بذل حياته دفاعًا عن تراب وطنه، فالجميع يعمل لمصلحة الوطن، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالجهد، وهذا ليس حكرًا لأحد..
وليس صحيحًا ما يقوله المَثل الشعبى المبتذل: الرجالة ماتت فى حرب أكتوبر... فرجال مصر بقدرتهم على التضحية والمنازلة ومجابهة الموت موجودون قبل حرب أكتوبر وبَعدها وفى كل وقت حتى قيام الساعة.. المصري يصارع الأخطار فى كل مكان وزمان، لا فضل لقديم على لاحق فى هذا المضمار.. وإن كان للأجداد والآباء فضل فى هذا الأمر فهو فضل توريثهم ونقل جيناتهم إلى الأبناء والأحفاد..
لذا لم تغلق صفحات التاريخ أبوابَها أمامَ بطولات المصريين المستمرة، فإذا كانت صفحات الخلود قد عَرفت على سبيل المثال الشهيد إبراهيم الرفاعى من أبطال تحرير سيناء فها هو الشهيد أحمد المنسى يُعيد سيرة الرفاعى فى تحرير سيناء، لكن هذه من المَرّة من الجماعات الإرهابية... وفى هذه السطور استعراض لأبرز بطولات المصريين قديمًا وحديثًا.
شفيق مترى.. 11 عامًا متواصلة على الجبهة
لا ينسَى أحد بطولات اللواء أ.ح / شفيق مترى سدراك لواء حربى المشارك فى حروب 1956 و1967 وحرب أكتوبر 1973، اشترك فى معركة أبو عجيلة عام 1967 قائدًا لفرقة من المشاة، وقد أظهر فيها من البسالة هو وبقية الرجال ما جعل من معركة أبوعجيلة أيقونة للصمود والبطولة، وفى حرب "الاستنزاف"؛ حيث تقدّمت المدرعات الإسرائيلية صوب مدينة بور فؤاد بهدف احتلالها يوم 1 يوليو، 1967، فتصدّى لها مع قوة من الصاعقة المصرية بنجاح فيما عُرف بمعركة رأس العش. أمضى اللواء شفيق أكثر من 11 عامًا متواصلة فى جبهة القتال ونال وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى، وهو النموذج الرائع للقائد الملتحم بجنوده قبل ضباطه وخلال حرب الاستنزاف قبيل العبور العظيم عبَر برجاله إلى سيناء من بورسعيد والدفرسوار وجنوب البلاح والفردان؛ حيث قاتل العدو فى معارك الكمائن. ويوم السادس من أكتوبر1973 قاد اللواء أحد ألوية المشاة التابعة للفرقة 16 مشاة بالقطاع الأوسط فى سيناء وحقق أمجد المعارك الهجومية ثم معارك تحصين موجات الهجوم الإسرائيلى المضاد قبل أن يستشهد فى اليوم الرابع للحرب الذي يوافق يوم 9 أكتوبر 1973 وهو يتقدم قواته لمسافة كيلو متر كامل فى عمق سيناء عندما أصيبت سيارته بدانة مدفع إسرائيلى قبل وصوله إلى منطقة الممرات فى عمق الممرات؛ ليلقى ربّه شهيدًا.

محمد هارون.. أمير الشهداء
في السابعة صباح الأول من يوليو 2015، هاجم الإرهابيون عدة اكنمة أمنية، في توقيت متزامن، سعيًا من أهل الشر ومن يحركهم ويمولهم من المخابرات المعادية، لرفع الراية السوداء لدقيقة واحدة على شبر من الأرض المصرية، لالتقاط الصور وإيهام العالم أنهم تمكنوا من موطأ قدم في سيناء.
لم يدرك الإرهابيون الذين حشدوا كافة طاقتهم، لأكبر وأخطر عملية إرهابية، أن جنود مصر البواسل في انتظارهم، أبطال من نسل أبطال، قادرون على ردع العدوان، والدفاع عن الأرض حتى آخر قطرة دماء، عقيدتهم النصر أو الشهادة.
بين هؤلاء أبطال كمين الرفاعي، وغيرهم من الأكمنة الباسلة هزمت المخطط، وسطر أبطال جيش مصر بحروف من ذهب بطولاتهم، وهناك في سيناء دوريات المداهمات التي تلاحق جردان الأرهاب، أحدهم هؤلاء الأبطال هو أمير الشهداء، المقدم محمد هارون، ذلك الذي من فرط بسالته، أطلق الإرهابيون على كميته اسم "كامين هارون"، لقوته وبطولاته المتواصلة، في اصطيادهم.
حقق انجازات متواصلة، وقنص العديد من الإرهابيين، كان قائدًا فذاً يتقدم جنوده في حملات المداهمات، كما قاتل ببسالة لردع الهجمات.
فشلت هجمة الإرهابيين، وتساقطوا قتلى، لعدة ساعات قبل أن تصل قوات الدعم التي حاول الإرهابيون قطع طريق وصولها بالمفخخات، فشل مخطط أهل الشر.
واصل البطل هارون عطاءه، وحملات اصطياد الإرهابيين، وظل الجبناء ينتظرون فرصه للنيل منه، كان يواصل بطولاته بمنطقة الجورة، يتقدم جنوده عندما انفجرت عبوة ناسفة نوعية في الثاني عشر من نوفمبر 2015، ليلقى ربه شهيدًا، ناطقًا بشهادة "اشهد أن لا إله إلا الله محمدًا رسول الله".
سيظل حي عند ربه في جنات النعيم، صاربًا مثلًا في البطولة ليلحق بكتيبة شهداء الوطن اجداد وأباء وأحفاد.
نقلًا من الكتاب الذهبى



