منذ بضعة أيام استوقفني مقال كان منشوراً في صحيفة غربية شهيرة، وعلى الرغم من نجومية هذه الصحيفة واسمها "الرنان"، إلا أنها لم تلتزم بالمهنية كعادتها، حيث لم تستطع إخفاء كراهيتها الشديدة لمصر، وعلى وجه الدقة "دولة ٣٠ يونيو"، وذلك لأسباب لم تعد خافية على أحد، فالتآمر لم يعد سراً، بل أصبح يتم جهاراً نهاراً و"على عينك يا تاجر".
ولكن لفت نظري في هذا المقال أنه لم يتطرق لموضوع "حقوق الإنسان"، الذي كان دائماً يتصدر المشهد في أي مقال تنشره هذه الصحيفة وغيرها من الإعلام الغربي المسموم للهجوم على مصر، سواء بمناسبة أو بدون مناسبة، الأمر الذي جعلني أشفق على هذه الصحيفة وما هم على شاكلتها، لأنهم من الآن فصاعداً لن يجدوا ما يكتبونه في موضوع حقوق الإنسان بالذات، خاصة بعد تلك "الصفعة" المدوية التي تلقتها وجوههم الكريهة، وهي الخطوة شديدة الأهمية والجرأة التي أقدم عليها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإطلاقه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان "٢٠٢١-٢٠٢٦"، وهي خطوة في تقديري الشخصي غير مسبوقة، حيث أغلقت الأبواب والنوافذ التي كان يتسلل من خلالها أعداء الدولة، ليبثوا السم في العسل وهم يهيلون التراب فوق ما يتحقق من إنجازات عظيمة على أرض الواقع، مستخدمين "كليشيهات" ثابتة عفى عليها الزمن من نوعية تقييد الحريات وتكميم الأفواه وإهدار حقوق الإنسان في مختلف المجالات وعلى الأصعدة كافة، فهذه الاستراتيجية لم تشهد الدولة المصرية مثيلا لها على مدى تاريخها الحديث والمعاصر.
والحق يقال فإن أهمية هذه الاستراتيجية لا تأتي فقط من كونها الأولى من نوعها في تاريخ مصر، ولا من خصائصها كوثيقة طويلة الأجل تستجيب لمتغيرات العصر بكفاءة وجدية، وإنما أيضًا من مضمونها الشامل والأثر العميق الذي تستهدف تحقيقه في إطار رؤية وطنية مؤسسة على وعي بالإمكانيات المتاحة والفرص السانحة، وكذلك التحديات القائمة والعقبات المتوقعة، مع قراءة موضوعية ودقيقة لمكامن القوة ونقاط الضعف.
لقد حمل توقيت إصدار "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، مع تحديد إطارها الزمني بخمس سنوات ( 2021-2026)، رسالة شديدة الوضوح تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الدولة المصرية تعمل وفق رؤية شاملة، تتحدد مراحلها في إطار تخطيط هادئ بعيد المدى، قادر على ضبط إيقاعه وفقًا لسياقاته الوطنية، ودون أن يتأثر بالضغوط أو يميل مع المستجدات العابرة. بما يؤكد أن هذه الاستراتيجية جاءت امتدادا لما ورد في الدستور المصري، الذي أكد في ديباجته بأن "الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن"، ثم شدد في نصوصه على أن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً، ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها".
يؤكد ذلك أيضًا أن هذه الوثيقة تمثل حلقة متممة لما ورد في "استراتيجية التنمية المستدامة - رؤية مصر 2030"، التي تقوم على أن "سعادة وبناء الإنسان هي الهدف النهائي لكل جهد"، اتساقًا مع ما ذكره السيد الرئيس في تقديمه لهذه الرؤية بقوله إنه "أعطى توجيهاته للحكومة منذ البداية بمنح الأولوية للمواطن المصري لتمكينه من العيش بالصورة التي يستحقها ويطمح إليها"، وكذلك ما ورد في إطارها الحاكم بأن "تحقيق التنمية المستدامة يتطلب إقامة نظام سياسي ديمقراطي يحترم مبادئ حقوق الإنسان ويقوم على سيادة القانون".
إن إيمان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بضرورة تمتع جميع المصريين، على قدم المساواة وبغير تمييز، بكل حقوقهم هو المرادف الموضوعي لقناعة الدولة المصرية الراسخة بأن حقوق الإنسان منظومة متكاملة، لا مجال لتجزئتها أو التعامل معها بمنطق انتقاء الأولويات، والدليل على ذلك أن كل مصري، ومهما كان موقعه أو عمره أو نشاطه، قد وجد في هذه الوثيقة ما يدعمه، وبنفس القدر ما يمكنه من المساهمة في دعم حقوق الآخرين وحمايتها، في إطار الوحدة الوطنية الجامعة، وتحت ظلال المواطنة والمساواة وسيادة القانون.
أما بالنسبة لمسألة تنفيذ هذه الاستراتيجية، فينطلق من قناعة مكملة لا تقل أهمية، مفادها أن مؤسسات الدولة لن تتمكن بمفردها من تحقيق هذه النتائج، ما لم تكن المؤسسات الوطنية ذات الصلة، وفي مقدمتها "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، جنبًا إلى جنب مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، شركاء فاعلين ومؤثرين في مختلف الجهود المبذولة لتعزيز حقوق الإنسان، باعتبار ذلك جزءًا من واجباتها تجاه المجتمع، ولضمان وصول الأثر المرجو إلى أبعد مدى جغرافي واجتماعي، تحقيقًا للعدالة، وترسيخًا لروح التكافل والتضامن بين جميع المصريين.
تحرص الاستراتيجية أيضًا علي استنهاض وعي المصريين بقيم ومعاني حقوق الإنسان، بما يحفزهم على الالتزام بها في سلوكياتهم وتعاملاتهم اليومية، مع إشراكهم إيجابيًا في تعزيز ثقافة عامة حاضنة لحقوق الإنسان وحامية لها، بما يضمن لها الرسوخ، لتكون أساساً لتفعيل مسارات العمل المعتمدة.



