الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

بيتر بروك المخرج المسرحي الإنجليزي الأشهر يرحل عن عالمنا، وهو يلقى وداعًا من كل أنحاء الدنيا، لأنه بالفعل قد استطاع التأثير في كل المسرحيين في كل أرجاء العالم، فقد ألقى بتأثيره على العقدين الأخيرين من القرن العشرين بشكل شديد الوضوح، وامتد تأثيره وسيظل لعقود طويلة يلقي بظلاله على المسرح الجمالي والفكري، وعلى المسرحيين الجادين. 

 

 

بروك عمل في لندن وباريس والولايات المتحدة الأمريكية، لكنه جاب العالم كله مع فرقته محدودة العدد، والمكونة من جنسيات متعددة تمثل أنحاء الدنيا الأربعة. 

 

إنها فرقة مسرح الأمم التي أقامها له اليونسكو في عام 1968. وهي ذروة مساره المهني والاحترافي. 

وقد أحسن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي صنعًا عندما أطلق اسم بيتر بروك على دورته التاسعة والعشرين القادمة. لأن بيتر بروك هو ركن مهم من أركان المسرح التجريبي في العالم، خاصة أن عمله الاحترافي المتنوع جعل الجمهور في أهم درجات اهتمامه. 

ففي المسرح- كما يرى بيتر بروك- الممثل والنص والجمهور هم الأضلاع الأساسية للعمل المسرحي. 

ولذلك فهو يسأل عن التجريب الحقيقي الباحث عن هدف، الذي لا يغفل أبدًا الصلة مع الجمهور لأنه جدير جدًا بالاهتمام. 

لا مسرح من دون هذا الحضور الجماعي الإنساني الملتف حول المسرحية، المتفق على حالة من الحياة، يجتمع عليها الجمهور مؤمنين بالفكرة محملين بطاقة عاطفية مشتركة. 

ولذلك فهو يسأل عن الهدف ويحذر من التجريب كسعي وراء اللا شيء المجهول، أو كزخارف مستجدة. 

كان بروك شخصية أبوية لكل المسرحيين المعاصرين في العالم المعاصر، وذلك لأنه كان متجاوزًا لدوره الإبداعي والاحترافي والمهني إلى دور المكتشف المجدد القادر على البحث عن مصادر الإلهام وعلى أن يكون ملهمًا فيما يفعل، وفيما يكتب. 

هو محترف مثقف أدرك أولًا أن المسرح لا يمكن أن يعيش من دون الدراسة والبحث، ولذلك فقد أنشأ مركزًا لأبحاث المسرح، ثم أسس فرقة عملية لتطبيق الأبحاث، وفي صلة معها. 

في إطار البحث عن لغة عالمية واحدة تجمع بين المشتركات الثقافية للثقافات المتعددة للبشر، وإمكانية جعل المسرح مكانًا للفكر البشري المشترك بعيدًا عن اللغات اللسانية المتعددة. 

كان بروك مفكرًا مسرحيًا مهتمًا بالسياسة والثقافة والأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، وكان طرح السؤال الضروري: هل سيبقى المسرح كما هو؟ وأمامه كل تلك الإمكانيات اللا محدودة للتكنولوجيا والتواصل البشري، والبث الفضائي الرقمي، ثم تكنولوجيا الشبكة الدولية للمعلومات؟

 

إنه حقًا عالم معاصر يتيح فرصة ذهبية للمبدع في قدرته على أن يكون مفهومًا لدى الجميع. 

هو سؤال مهم في ظل عالم متصل ببعضه البعض بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية، وكان بروك مواطنًا عالميًا بالفعل، فقد كان موقفه السياسي الواضح من قهر الضعفاء في مسرحية (u-s) عن معاداة الحرب في فيتنام موقفًا واضحًا من المركزية الغربية. 

لم يؤثر موقفه على انتظام عمله في الأمم المتحدة كمسرحي باحث في المشترك الثقافي الإنساني، وعلى عمله الاحترافي في أمريكا، فقد استطاع بروك المفكر المسرحي أن يطرق أبواب برودواي ومسرحها التجاري الصاخب، ففتحت أبوابها أمامه. 

بيتر بروك ليس هو ذلك الشخص الذي افتتح مختبرًا مسرحيًا وعاش فيه لنخبة محدودة. 

إنه مسرحي محترف عمل في كافة أنواع الإنتاج المسرحي بذات الكفاءة والإخلاص. 

لبيتر بروك سير ذاتية يعرفها معظم الناس، إلا أن درسه المهم، الذي يجب أن يتعلمه المسرحيون المصريون والعرب هو التنوع الإبداعي. 

وهو ما يدفعنا للاهتمام بفكرة القدرة على إدارة الأعمال التجريبية، والجماهيرية معًا. 

وأيضا إدراك أن المواهب الاستثنائية الكبرى التي أثبتت تميزًا إبداعيًا يجب دعمها للانتظام في الممارسة الإبداعية، حتى يتمكن الفنان المختلف من القدرة على الاستمرار في التفكير الإبداعي كممارسة يومية. 

وأيضًا ضرورة النظر للمسرح كفضاء للحرية والابتكار والرؤى الإنسانية والثقافية، وهي عنده تتجاوز حدود الثقافة المركزية الغربية بكثير. 

رحم الله المفكر المسرحي بيتر بروك رحمة واسعة، عاش وأبدع وسافر في بلاد الله. 

وحضر في الثقافة المعاصرة حضورًا واضحًا، سيستمر لعقود طويلة قادمة. 

وكتب عددًا من الكتب المهمة وأبحاثًا علمية مهمة في جوهر فن المسرح، وهي التي يمكن ملاحظتها بسهولة عبر الشبكة الدولية للمعلومات. 

فقد كان درس بيتر بروك البليغ هو الاختزال. 

كان الاختزال الفني عنده فلسفة، في طريقه للبحث عن لغة عالمية يتواصل بها البشر عبر المسرح. 

رجال كالأحلام، رجال كالأساطير، بيتر بروك المدهش المبتكر وداعًا. 

تم نسخ الرابط