أبدأ حديثي بقول الله تعالى: (سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير).
فسبحان الذي جعل الإسراء والمعراج معجزة خالدة باقية إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
سبحانك تنزيهًا لك وحدك وإفرادًا لك بالعبودية وإقرارًا بوحدانيتك وصمديتك، يا واحدًا ليس له ثان، يا أولا بلا ابتداء وآخرا بلا انتهاء، سبحانك تفضلت على إبراهيم عليه السلام فجعلته أمة قانتا لك وحدك، شاكرا لأنعمك.
فمننت على حبيبك محمد ﷺ أنه بنى أمة أسسها على طاعتك وتقواك.
والذي يبني أمة ويقودها ويخرجها من الظلمات إلى النور حقيق علينا أن نقول عنه أنه أمة.
سبحان الذي أسرى بعبده سرى به بليل روحا وجسدا، لماذا؟
لأن العبد جمع بين روح وجسد حتى لا يتنطع المتنطعون ولا يتطاول المتطاولون على ديننا، وعلى قرآننا وعلى نبينا.
نقطع القول ونقول قولا واحدا سرى روحا وجسدا لماذا؟! لأنه ليس ثم أصدق حديثا ولا أصدق قيلا إلا قول الله تعالى، والله قال ذلك وليس لنا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
من المسجد الحرام، بيت الله الحرام، الذي من يدخله فهو آمن لأنه في معية الله تعالى.
إلى المسجد الأقصى، آه يا أقصانا آه، صبرا صبرا فإن الله منجز وعده، وبالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرًا.
حتما سنعود وأمتنا ستعود وستفيق من سباتها العميق، وستطهر ساحاتك وباحاتك، وسيرفع فيك الأذان من جديد. (ويقولون متى، قل عسى أن يكون قريبا).
(فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا).
هل علمتم أن مخاضًا عسرًا سيستمر لا بد من فرج قريب وهذا وعد الله (إنما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين).
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لاقى ما لاقاه من إيذاء مشركي قريش، ولم يئن ولم يمل ولم يكل، وضعوا القاذورات على ظهره وهو يصلي، شتم وضرب وسب وقذف بأبشع السباب والشتائم، ولا يزال السفهاء يسبون ويقذفون، وازدادوا طغيانا على طغيانهم بشن الحروب النفسية على الجاليات المسلمة في بلاد غربية، واقتحمت المساجد وضرب المصلون بالنيران في غيرها، أي عنصرية هذه يا من تتشدقون بشعارات الحريات، يا من ترفعون شعارات المدنية الحديثة، حقوق المواطنة، هل مدنيتكم الحديثة تدعو إلى سفك الدماء، عدم احترام الآخر، يا لها من شعارات جوفاء.
سار رسول اللّه ﷺ في طريق دعوته المباركة لم يثنه شيء من هذه الشناعات، وذهب إلى الطائف يدعو إلى الله، يدعو إلى دين الله الأعز الأكرم، استهزأوا به، سلطوا عليه غلمانهم وصبيانهم، وسفهاءهم، ورموه بالحجارة حتى تورمت قدماه الشريفتان وسال الدم منهما، وجلس يستظل بظل حائط، وبكى المعصوم لا من شدة الألم والأذى الذي تعرض له، وإنما حزنًا على دعوته المباركة وخوفًا من الله أن يكون قد قصر في الدعوة.
نظر إلى السماء وقال قولته المشهورة التي خلدها التاريخ، واهتز لها عرش الرحمن، وأنّ منها كل أهل السموات والأرض.
اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين إلى من تكلني، إلى قريب ملكته أمري أم إلى بعيد يتجهمني، غير أن عافيتك أوسع لي.. يا أرحم الراحمين إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مناجاة تقشعر منها الأبدان وتلين لها القلوب وتخر لها الجبال الراسيات.
يا الله.. دموعك يا حبيبي يا رسول الله التي أحرقت فؤادي، لزوال الدنيا كلها ولا دمعة من دموعك يا قرة العيون ودواء القلوب.
على الفور تتزلزل الجبال ويهتز عرش الرحمن وتأن الملائكة لأنين الأمين، ويأمر الله عز وجل ملك الجبال بالنزول، ويأتي إلى الحبيب ويقول أمرني ربي أن أطبق عليهم الأخشبين إن شئت لفعلت فورا.
انظروا أيدكم الله بروح منه وأمدكم بمدد منه، انظروا إلى الرؤوف الرحيم، انظروا إلى السراج المنير، انظروا ماذا قال الرحمة المهداة والنعمة المسداة، لا يا أخي يا ملك الجبال لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، واستجاب الله وخرج من أسباب طواغيت الكفر رجال نصروا الدين، خرج خالد، وخرج عمرو، وخرج عكرمة، رضي الله عنهم أجمعين.
ويعود المعصوم إلى مكة وينام في فراشه بعد أن داواه المداوي بدواء من عنده، وأخبره أنك يا محمد بأعيننا فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا.
ويخلد إلى النوم يتجافى جنباه عن المضاجع ذاكرا حامدا شاكرا لأنعم الله تعالى عليه، وإذ في هدأة الليل والكون نيام تأتي الدعوة المباركة من الله الحي القيوم الذي لا يغفل ولا ينام. فاستعد يا حبيبي للقاء، وأي استعداد وأي لقاء.
حتى لا أطيل على حضراتكم نكمل حديثنا في الجزء الثاني من المقال.



