الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

عنوان المقال يبدو لافتا لأول وهلة لمن ينظره ويشاهده، فيقول ما الجديد، فالأخلاق بين النسبية والإطلاق، فهناك بعض الأصوات علت ولا تزال تعلو قائلة بنسبية القيم الخلقية، وأنها متغيرة تتغير بتغير الزمان والمكان وتغير طبائع وسيكولوجيات البشر.

وهناك على الجانب الموازي والمقابل أصوات ترتفع مدوية أن القيم الأخلاقية مطلقة مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة والشخوص، أما الذي يتغير فهو المظهر السلوكي أو الإطار الخارجي أي البرواز، لكن الجواهر تظل ثابتة لا تتغير.

 

ورغم أنه من الممكن أن تهمش وتتناسي لكن هي كالجواهر المصقولة التي لا تصدأ وإنما قد يغطيها التراب وبمجرد ما أزحنا عنها هذا الغبار عادت سيرتها الأولى.

 

وأسس أصحاب هذا الرأي موقفهم على أساس التفرقة بين الجوهر والعرض، الأولى والثانوي، المظهر والمبدأ، بل ووضعوا خصائص للمبادئ الأخلاقية منها أنها ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وأنها واضحة بذاتها، وأنها لا تقبل شكا ولا جدلا.

 

وهذا رأي يحترم ويعتد به وهو رأي يخالف لفكرة النسبية، نسبية القيم الخلقية التي تبنتها السوفسطائية، وأن الإنسان مقياس كل شيء، مقياس الخير والشر، ومن ثم فليس ثمة حقيقة مطلقة ومنها القيم الأخلاقية.

 

لكننا لنا رأي في هذا الموضوع قد يتفق معي فيه البعض وقد يختلف البعض الآخر والاتفاق والاختلاف ظاهرة محمودة في الفكر الإنساني بل تكسب الفكر حيوية ومرونة وديناميكية، فقد انتهي عصر ديكتاتورية الأفكار والانفراد بالرأي الأحادي الجانب.

 

تحديات كثيرة على كافة الأصعدة والمستويات، تواجه إنسان العصر، أزمات كثيرة نتعرض لها على المستوي القيمي الأخلاقي، على المستوى العلمي، على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوي الديني، وسنقوم بتحليل كل مستوى على حدة.

 

تتعالى بعض الأصوات التي تصب وابلا من اللعنات على الزمان وعلى عصرنا وأنه عصر انسحاق قيمي، عصر مادي، عصر بات فيه الإنسان مغتربا عن ذاته فاقدا لهويته بحيث أصبح كترس في آلة، يدور معها حيث دارت، أصبح كمن هو في دائرة متحدة المركز يلف ويلف إلى أن يعود كما كان، أو أن يفني عمره سدي دون أن يحقق ذاته ولا يصل إلى غاية مرامه.

 

يا سادة لا تلوموا الزمن ولا تلوموا العصر. نعيب زماننا والعيب فينا. وما لزماننا عيب سوانا. إذا كان ثمة عتاب ولوم فلا بد أن نوجهه لأنفسنا أولًا: ماذا تريد؟ ما هدفك في الحياة؟ ما غايتك، ما وسيلتك، هل ستقف مكتوف الأيدي وتبكي على ما فاتك أما ستحاول أن تتقدم. وهذا بالنسبة للإنسان بحيث يصدق عليه ذلك.

 

أما بالنسبة للتحديات ومنها التحدي القيمي: هل سنحيي قيمنا التي عفى عليها الزمن؟ هل سنحيي قيم الحق والخير والجمال؟ هل سنساهم ولوحتي بالكلمة لإحياء قيمة العدل؟ هل سنقف مع المظلوم ضد من ظلمه؟ لقد رأينا نصرة للحق في الحرب الأخيرة على غزة وعلت الأصوات مدوية: أوقفوا آلة الحرب الفتاكة التي لا تبقي ولا تذر، علت أصوات الشعوب ومدت بعض الحكومات يد العون بالمساعدات ومنها مصرنا الحبيبة التي ما بخلت يوما ولم تبخل أبدًا عن نصرة قضيتنا العادلة، وهناك من تخاذل ونتمنى أن يعودوا إلى عروبتهم وإلى أحياء قيمهم ولا ينقادوا انقيادا أعمى خلف شهواتهم فكل هذه الأمور أعراض زائلة ولم ولن يبقي إلى العدل الذي قامت عليه السموات والأرض، الذي أمر به الله تعالى من فوق سبع سموات محرمًا الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما. هل سنحيي قيمة الشجاعة ونترك السلبية واللامبالاة؟ الشجاعة بكل صورها هي شجاعة الكلمة، شجاعة الأقلام الثابتة المتزنة، لا الأقلام التي تمسكها أيد مرتعشة تخجل الأقلام منها ولو نطقت لقالت اتركني يا من تكتب بي فأنت لا تستحق المداد الذي بداخلي، شجاعة الرأي الحر الجريء الذي لا يخش في الحق لومة لائم. شجاعة الموقف فحياتنا مواقف نعيشها وإما أن نخرج منها مرفوعي الرأس وبعد حين الكل يمشي خلف جنازتنا ويحملنا على الأعناق ويترحم علينا، أو تصب علينا اللعنات من كل حدب وصوب.

 

هل سنعلي من قيمة الإيثار ونؤثر الآخر علينا، نجود بما في أيدينا للآخرين حتى وان كان بنا خصاصة. هل سنعلي من قيم الإخاء والتسامح والمساواة.

 

جميعنا إخوة في الإنسانية هل لأن فلان على غير ديني أمقته ولا أتعامل معه!؟ إن ديننا يرفض ذلك، هل لأن فلان لا يسير على هواي فأقف ضده وأتحزب ضده!؟

 

يا سادة نحن نعيش في عصر حداثي، قرية صغيرة، المكون الرئيس فيه هو الإنسان، نتعامل مع الإنسان بما هو كذلك نتعامل بفكر وروية، يا سادة الفكر الحر المستنير لا وطن له ولا دين.

 

الكل مواطن من الدرجة الأولى متساوون في الحقوق والواجبات ليس ثمة عنصرية بغيضة تعاملوا مع الإنسان بما تحب أن يعاملك به هذا الإنسان، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين اسود وأبيض. ولا بين صاحب جاه وسلطان وإنسان آخر بسيط، فالكل لآدم وآدم من تراب والكل مصيره إلى التراب والكل سيدفن ويترك كل هذه الأمور خلف ظهره.

 

فيا أيها السادة إن قيمنا جميلة ولا بد أن نزيح من عليها التراب ونعيد صقلها من جديد، وهذا ليس صعب المنال لكن بالثقة في أخلاقنا وفي قيمنا وان هذه القيم إذا ما أحييناها بداخلنا وعلمناها لأولادنا فسنعود سيرتنا الأولى.

 

وخلاصة الرأي عندي أن قيمنا الخلقية ليست نسبية تتغير وإنما هي مطلقة وشواهدي من استقرائي للتاريخ كثيرة سأكتفي بشاهد واحد: ألم يتحدث كونفوشيوس حكيم الصين عن الواجب الأخلاقي وأن الإنسان لا يقوم بفعل أخلاقي من أجل مصلحة ما وإنما الواجب يحتم عليه فعل ذلك، وثمة شاهد آخر: ألم يتحدث كانط عن السلام العالمي القائم على العدل، سلام يقوم على المعنى الحقيقي لكلمة السلام لا الاستسلام، أليست هذه قيمة لا بد أن نزيح التراب من عليها. إذا ما حدث ذلك بربي سنعود سيرتنا الأولى وسنعود خير أمة أخرجت للناس.

 

وسنشرف بلقب إنسان وسيتشرف بنا هذا اللقب.

 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية  رئيس قسم الفلسفة السابق – آداب حلوان

تم نسخ الرابط