الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

ديننا الإسلامي الحنيف دين سمح، يرفض المغالاة والتشدد والتطرف في كل شيء.

دعوة النبي- ﷺ- دعوة غراء، لا اعوجاج فيها، روحها وديناميكيتها واستمراريتها إلى الآن، من ألف وأربعمائة وأربع وأربعين عامًا، وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنها دعوة قامت على الحق ودحض الباطل، قامت على كل مجامع الخيرات، ومحاربة كل الموبقات، قامت على الحب والود، ونشر السلام والأمن والأمان، ونبذ كل صنوف التطرف الفكري، وطرح ومواجهة كل أشكال الإرهاب الأسود، وترويع الآمنين المطمئنين.

 

هذه دعوة الإسلام إلى الدنيا بأسرها دعوة إلى الإخاء والسلام العالمي، والتعايش السلمي بين كل الشعوب والأجناس، دعوة ترفض التشرذم والتحزب، والفرقة والافتراق الذي يقودنا إلى الاغتراب عن ذواتنا وعن ديننا، وعن وطننا.

 

محمد رسول الله- ﷺ- دعوته رفضت كل أشكال العنصرية، والتفرقة بين الأجناس، فلا فرق بين أبيض ولا أسود، ولا آري ولا سامي إلا بالتقوى والعمل الصالح، كلكم خلق من تراب وكلنا لآدم وآدم من تراب.

 

فلا داعي يا دعاة العنصرية إلى هذا التمييز البغيض.

هاهو رسول الله يوبخ سيدنا أبا ذر عندما عيّر سيدنا بلال بسواد جلده، قال له يا أبا ذر إنك امرؤ بك جاهلية.

 

ديننا الحنيف رفض التحزب والتشرذم لأن ذلك سيؤدي إلى شتات الأمة، وهذا ما كان يخشاه علينا إنما تأكل الذئاب من الغنم القاصية.

 

دعانا النبي إلى الاستمساك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، دعانا إلى التمسك بحبل الله المتين، متمثلين قول الله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، لا تتحزبوا ولا تتفرقوا من بعد ما جاءتكم البينة.

 

اجعلوا تجمعكم واجتماعكم لله تعالى، واجعلوا تحزبكم لحزب واحد ألا وهو حزب الله المتين الذي من سار خلفه لا يضل ولا يشقى، حزب لا إله إلا الله، محمد رسول الله، تجتمع تحته كل الألوية والرايات، اجتماع بحق، لا مأرب ولا غرض من ورائه، لا أغراض دنيوية بئيسة، لا تقاتل من أجل جاه أو سلطان.

 

لا توظيف بغيض للدين لخدمة أمور ستزول بزوال المؤثر، فالكل سيفنى ولن يبقى إلا ما قدمته أيديكم، "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم"، "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا".

 

ديننا الحنيف، بل كل الأديان، دعوة للبناء والتشييد والتعمير، لا دعوة للهدم والتخريب.

ديننا الغر السمح يرفض الإرهاب الأسود الذي انتشر واستشرى خطره، وبات يهدد المجتمعات، لا أقول الإسلامية وحدها، بل أصبح يهدد العالم بأسره.

 

ومن ثم أصبح لزاما على كل ذي غيرة على وطنه وعلى دينه، وأعي ما أقول على دينه، لأنه وللأسف الشديد تمارس هذه العمليات الإرهابية باسم الدين، والله تعالى ورسول براء منهم ومن أفاعيلهم.

 

أضحى لزامًا علينا جميعًا أن نلتف حول قادتنا كل في مكانه، وكل يتحمل المسؤولية، المفكر يتوجه بخطاب توعوي يوضح خطورة هذا الأمر على الأفراد وعلى المجتمع، ويوضح آثاره السلبية في عرقلة مسيرة التنمية، والنهوض بالبلاد على المستويات كافة، الاقتصادية، السياسية، الثقافية، العلمية، داخليًا وخارجيًا.

 

عالم الدين الحقيقي، وأعي جيدا ما أقول، علماء الدين الذين ينتمون إلى المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر الشريف، شرفه الله وأعلى قدره، الأوقاف وتدريب الدعاة، الإفتاء.

 

مؤسسة الكنيسة، لها دور أيضًا لا بد أن تتبنى خطابًا توعويًا لمواجهة هذا التطرف، وهذا الإرهاب الأسود الذي يطل علينا برأسه الخبيث كل فينة وفينة.

 

الدولة عليها أيضًا دور مهم في مجابهة هؤلاء عسكريًا واستئصال شأفتهم.

وجميعنا يشاهد ويسمع كل يوم استشهاد فلان وفلان، الله حسيبهم "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياء عند ربهم يرزقون".

 

فلا بد من الضرب بيد من حديد على هؤلاء، ليس هؤلاء وحدهم، بل كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الأمة، ومقدرات بلدنا الحبيب، وأمننا القومي.

 

أقول لمن تسول له نفسه ويظن أنه حامي حمى الديار وحامي الدين: لا تتاجروا بالدين فالدين لا يشرعن للقتل، لا يشرعن لسفك الدماء، لا تنصبوا أنفسكم حماة للشريعة، فكل إنسان يتقي الله فهو حارس وحام ومدافع عن الشريعة.

 

أصلحوا أنفسكم أولًا، وأصلحوا ذات بينكم ولا تتخذوا الدين ستارًا تستترون خلفه، من أجل مآرب أخرى.

 

ديننا دين وسطي يرفض المغالاة والتشدد في كل شيء، ديننا دين الرحمة، "فبما رحمة من الله لنت لهم".

 

ديننا اللين والمودة، وعدم التشدد "واخفض جناحك للمؤمنين"، دين الرأفة فما دخلت الرأفة في شيء إلا زانته وما خرجت من شيء إلا شانته.

 

عندما ذهب النبي لفتح مكة والقوة والعدة والعتاد حوزته، ووصلوا إلى أبواب مكة، الصحابة هللوا، اليوم يوم الملحمة، يوم المعركة، يوم المقتلة.

 

إلا أن أبا الزهراء قال لا اليوم يوم المرحمة.

اذهبوا فأنتم الطلقاء.

هذا هو ديننا الوسطي السمح الذي لا يميل بالكلية إلى هذا ولا إلى ذاك.

وإنما وسط عدل محمود، دونما إفراط أو تفريط.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان

تم نسخ الرابط