أبدأ مقالتي بقوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)،
لكن الذي لم يرزق هذا ولا ذاك فلا يحزن (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)، فلا تهنوا ولا تحزنوا فقد أعطاكم الله تعالى نعما كثيرة لا تعد ولا تحصى، (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).
كان لابد ولحاجة في نفسي أبدأ بهذه المقدمة ولأجعلها مدخلا لمقالتي.
كثيرا ما يتحدث علماء النفس وأساتذة التربية عن مقومات التربية الصالحة والتنشئة الحسنة لأولادنا، وكثيرا ما قرأنا مؤلفات كثيرة بعينها تناولت هذا الموضوع القديم والوسيط والحديث والمعاصر، فالكل أجتهد قدر طاقته ووضع الضوابط والشروط المطلوبة التي ينبغي اتباعها في تربية الأولاد والأبناء.
فوجدنا على سبيل المثال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى وضع رسالة (أيها الولد) بعينها في التنشئة والتربية الصالحة وكيف يكون الولد تحت قدمي والديه وأساتذته.
ووجدنا فيلسوف الأخلاق أحمد مسكويه يكتب رسالة في تهذيب الحدث والصبيان، وقرأنا المرشد الأمين في تربية البنات والبنين لرفاعة الطهطاوي، أدب الدنيا والدين للإمام الماوردي وغيرهم كثر.
الكل أنبرى لمعالجة هذه القضية الشائكة كيف نربي أولادنا التربية الصالحة والتنشئة الحسنة التي تفيدهم وتفيد الآباء وتفيد المجتمع بل وتفيد الأمة قاطبة.
رأينا تربية النبي لأسامة بن زيد وماذا كان بعد ذلك، قائدا قاد جيوشا، فاتحا، مجاهدا في سبيل الله، عباد بالليل رهبانا سجدا وقياما، قادة بالنهار، غازين منتصرين فاتحين الحصون والقلاع.
وغيره من الأبطال والقادة العسكريين العظماء الذين أفنوا أعمارهم في حب الله وفي نصرة أوطانهم ولنا في قادتنا العظماء الذين عبروا فاتحين منتصرين عبروا القناة محطمين أسطورة وغطرسة العدو، نعم ربتهم أمهاتهم على حب الوطن وأن تراب الوطن أغلى من الدم نشيدهم النصر أو النصر. نعم التربية هذه، نعم الرجال هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وفي وقت السلم وجدنا رجالا، أساتذة ومعلمين وأطباء ومهندسين ومحامين واقتصاديين حملوا على عاتقهم هموم الوطن كل في مكانه جندي من جنود الله، (وما يعلم جنود ربك إلا هو).
الكل يقف خلف قادته، الكل يسعى إلى تحقيق تنمية مستدامة، الكل يريد النهوض بالبلاد والارتقاء بالعباد.
إذا سألنا عن حال كل هؤلاء فلنسأل عن التنشئة والتربية.
نعم خلدت أسماء هؤلاء مع الخالدين لأنهم تربوا تربية صالحة على حب الله ورسوله الذي علمنا حب الأوطان وضرب المثل الأعلى في المواطنة والإيثار والتضحية.
نعم أولادنا قد يكونوا نعمة لكن متى، إذا نشأوا التنشئة والتربية الصالحة، وأدبناهم وعلمناهم كيفية احترام الكبار، وحفظانهم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمناهم ما هو الحلال وما هو الحرام، وعلمناهم الطاعة لله وللرسول، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
علمناهم بر الوالدين والإحسان إلى أساتذتهم ومعلميهم، والإحسان إلى الجار والتفاني في العطاء دون انتظار مقابل.
وقتئذ ننتظر الإحسان، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، ننتظر حصاد غرسنا الطيب، البر والتقوى والطاعة (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. منهم ولد صالح يدعو لهم).
أما إذا كان عكس ذلك فهي النقمة، فالأولاد سيكونون نقمة، إذا ما أهملناهم وصور الإهمال كثيرة، منهم عدم المتابعة وتركهم وعدم تعليمهم أمور دينهم، ومنها الإهمال في تعليمهم، فالمسألة ليست بكثرة الأبناء وإنما في الاهتمام بهؤلاء الأبناء، فما الفائدة من عشرة أبناء لا يفقهون شيئا من أمور دينهم، ولا يعلمون شيئا عن علوم دنياهم، فما الفائدة من ذلك ماذا سيكون حال هؤلاء؟
إننا ندعو إلى الاهتمام بهذا النشء وتهذيبه وتربيته التربية الصالحة، وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه.
ولا يفوتني أمر مهم ألا وهو قوله تعالى (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا).
إذا أردت أن يصلح الله لك أبناءك فلتتق الله فيهم ولا تطعمهم إلا من حلال، وتحسن إليهم ولا تفرق بينهم في المعاملة فليس هناك فرق بين الذكر والأنثى لا في ملبس ولا في مأكل ولا في تعليم، وإنما الاختلاف في المواريث وهذه نظمها الشارع الحكيم (للذكر مثل حظ الأنثيين).
أيها الآباء أبناؤكم أمانة في أعناقكم فلا تفرطوا في هذه الأمانة، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وأنتم أيها الأبناء اتقوا الله في آبائكم، فآباؤكم أمانة في أعناقكم فلا تهملوهم وأكرموهم كما أكرموكم وارحموا ضعفهم في كبرهم.
(وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
(رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب)
(بروا آباءكم تبركم أبناؤكم)
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.



