الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

وليد علاء الدين في حوار لـ" بوابة روزاليوسف": المسرح أهم الحلول لأزمات العرب

وليد علاء الدين في
وليد علاء الدين في حوار لـ" بوابة روزاليوسف": المسرح أهم الح
حاوره - خالد بيومي

يقترح كل نص من نصوص وليد علاء الدين المسرحية طريقة أداء وعرض مسرحي مختلفة تتناسب والقضية التي يناقشها، وتتعدد زوايا المعالجة التي يتناول بها الكاتب فكرته،  إلا أن القارئ للتجربة يدرك سريعًا أن الجامع بين هذه النصوص اهتمام الكاتب بالمفاهيم الإنسانية الأساسية كالحرية، والموقف من الدين، وعلاقة الإنسان بالسلطة على اختلاف أشكالها ومستوياتها. ويجمعها كذلك حرص الكاتب على النبش الإبداعي بشكل مختلف في كل نص في القضايا الوجودية الكبرى المتعلقة بماهية الإنسان والهدف من وجوده، والبحث الدائم عن الذات، والكيفية التي ينبغي أن يحقق بها الإنسان هذا الوجود وهذه الذات.

ربما لهذه الأسباب أو لغيرها ارتبطت نصوص علاء الدين بالجوائز، فقد حصد نصه الأول "العصفور" جائزة الشارقة للإبداع العربي سنة 2006، ثم حصد عمله "72 ساعة عفو" على جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي (المركز الثاني).

إلى جوار المسرح أصدر علاء الدين في الشعر "تردني لغتي إلي" 2004، و"تفسر أعضاءها للوقت" 2010، وفي أدب الرحلة "خطوة باتساع الأزرق" 2006، وفي النقد الأدبي "الكتابة كمعادل للحياة" 2015، وفي النقد الثقافي "واحد مصري- خطاب مفتوح لرئيس مصر" 2015.  وفي المسرح "مولانا المقدَّم"، ولاقت روايته "ابن القبطية" الصادرة عن دار الكتب خان في القاهرة نجاحا عبرت عنه العديد من الدراسات النقدية.

 

حصلت على جائزتي الشارقة للإبداع المسرحي وجائزة ساويرس في المسرح .. أيهما أقرب إلى قلبك؟

إذا تعلّق الأمر بالقلب، فلا هذه ولا تلك... ولكن بالعقل أرى أن جائزة الشارقة للإبداع العربي جائزة مرموقة وراقية وتمثل محركًا جيدًا للإبداع. وكانت حافزًا مهمًا لي لأنني حصلت عليها قبل 9 سنوات من الآن، جربتُ خلالهم الكثير من ألوان الكتابة.

أما جائزة ساويرس فلها قصة أخرى معي، لأنها أولًا أعادت لي بعض الثقة التي فقدتُها منذ زمن في منظومة الجوائز المصرية؛ لك أن تعرف أن العلاقة الوحيدة التي تربطني بتلك الجائزة ولجنتها هي النص المسرحي الذي تبرّع أحدُ الأصدقاء بتقديمه نيابة عني بحكم استقراري خارج مصر. كما أن أسماء لجنة تحكيم الجائزة في هذه الدورة ضمت قامات من المشهود لهم بالخبرة العملية والعلمية في مجال المسرح كان إطلاعهم على تجربتي مصدرًا لسعادتي ، كل هذه هدايا اشتملت عليها جائزة أفضل نص مسرحي في جوائز ساويرس.

 

برأيك .. هل الجائزة تصنع مبدعاً؟

لم يبتكر البشر الجوائز لتصنع المبدعين، ولكن لكي تكافئهم. القاعدة أن الجوائز تبحث عن المبدع المتميز لتصافحه وتشدّ على يديه وتقول له: إننا نراك، نشعر بما أنجزتَ، لقد تركتَ أثرًا. وتقول – بشكل غير مباشر- للآخرين: إن الإبداع قيمة تستحق التقدير.

الجوائز قد تصيب وقد تخيب في اختيار من تكافئه، ولكن الشفافية والإفصاح معياران يضمنان أن يكون الاختيار دائمًا مبررًا في حدود أهداف وتوجهات الجائزة المعلنة، هنا لا لوم، فكل جائزة تختار في إطار ما يحقق أهدافها ويتفق ومعاييرها المعلنة –أكرر المعلنة والقابلة للقياس – لأن الهدف المعلن والقابل للقياس جدير بالاحترام حتى لو اختلفنا معه، أما الغموض والتكتم أو الأهداف الفضفاضة الواسعة التي لا يمكن قياسها فعادة تكون واجهة إما لجهل أو لأعمال مخلة فقدت معها الكثير من الجوائز جوهرها وتحولت إلى عطايا سيئة السمعة.

 

ما سر ولعك بمسرح العبث؟

أنا لست مولعًا بمسرح العبث، أنا مؤمن بالعبثية، لأنها فكريًا تجسيد لحالة صراعنا كبشر بين ميولنا وأهدافنا في الحياة وبين عجزنا وعدم قدرتنا على تحقيقها، والعبثية كفلسفة تنظر إلى محاولات الإنسان لإدارك معنى الكون باعتبارها محاولات محكومة بالفشل، وهو أمر صحيح، إلا أن الصحيح أيضًا أن الإنسان لن يتوقف عن المحاولة ومن هنا يأتي العبث. والكتابة ما هي إلا انعكاس لذلك، فالكتابة عبثٌ لا نستطيع التخلي عنه.

 

يتطلب الاهتمام بمسرح العبث بحثاً مضنياً ينتج عنه تراكم من الأحداث والوقائع .. كيف تنجو من ثقل الواقع لتعطي للتخييل ما يجعل العمل المسرحي عملاً تخيلياً؟

صدقني، الواقع أكثر عبثية من الخيال، كتبت نصوصًا مسرحية يمكن تصنيفها وفق مسرح العبث، منها نص "البحث عن العصفور" الفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي، ولكن نص "72 ساعة عفو" الفائز بجائزة ساويرس ليس مسرح عبث بالمعنى الذي تمثله مدرسة مسرح العبث، وكذلك نص "صورة يوسف" الذي ضمته الهيئة العربية للمسرح ضمن أفضل 20 عملا تقدموا لها في دورتها الأخيرة، وغيرهما من نصوصي المسرحية، إنما هو مسرح منطلق من قضايا الواقع مع خلطة من التخييل والفانتازيا ليس هدفها المتعة بقدر ما هدفها نقل عدوى التفكير إلى القارئ أو المشاهد، لا أريد من قارئ أو مشاهد مسرحياتي أن يتبنى القضية أو أن يتعاطف معها، إنما أريد أن أجعله يفكر – إن لم يكن فيها تحديدًا – ففي كل قضية تواجهه، على المسرح أن يكون دعوة للتفكير وإلا فلا داعي له.

 

 

مسرح العبث .. هل له من مستقبل اليوم في ظل انتشار ثقافة "الكيتش" والـ"وان مان شو"؟

يجب أن نصنع نحن له مستقبلًا، ما نشاهده على مسارحنا الآن ليس مسرح إنما تهريج، ونحن لا نعادي التهريج، بل نقبله ولكن فقط عليه أن يترك اسم المسرح ويعمل تحت لافتة أخرى. ولا ينصرف الذهن إلى أنني أقصد بالمسرح أيضًا ما يُصرّ البعض على إعادة تقديمه مئات المرات من كلاسيكيات ونصوص عالمية، لست ضدها كذلك، ولكنها باتت مقتنيات متحفية إن لم تقدم برؤى جديدة تناسب العصر، كما أنها تفتقر إلى القدرة على الإمتاع – أقصد إمتاع إنسان هذا العصر الذي لم تعد تناسبه الخطابة ولا الجمل الإنشائية ولا التجهم الذي يصر المسرحيون على أنه أحد ملامح الجدية ومناقشة القضايا الكبرى، من قال إن مناقشة القضايا الكبرى ينبغي أن تتم بطريقة كُبرى؟ في ظني الحل في تجزئتها وطرحها للتفكير بطرق مناسبة لروح العصر وشروطه، في يقيني أن عودة المسرح إلى الحياة رهينة بفهم هذه النقطة ومحاولة تنفيذها بشكل جيد.

 

هل ما زال هناك قارئ للمسرح كما كان لتوفيق الحكيم وسعدالله ونوس وعبد الرحمن الشرقاوي؟

ومن قال إن قراء المسرح في زمن ونوس والحكيم والشرقاوي أكبر من قرائه اليوم؟ هل لديك إحصائيات!  ومن قال إن هؤلاء لو ظلوا يكتبون حتى يومنا هذا فسوف يعيدون تجاربهم نفسها من حيث الشكل والمضمون؟ وهل كانت تظل مقروءة؟

مشكلتنا أننا نتبنى أفكارًا جاهزة الصنع ونعتبرها أحكامًا نهائية ونتصرف من خلالها كمنطلقات وهي في الأساس مغلوطة أو على الأقل في حاجة إلى مراجعة للتأكد من كونها صحيحة ما زالت.

ربما عدد قراء أقل نص مسرحي يصدر عن هيئة الكتاب اليوم أكثر من مجموع قراء من تحدثت عنهم، لا يُنقص هذا من قدرهم- فالقدر نسبي والريادة مكانة تاريخية وليست حُكم قيمة ينسحب على الزمن، المشكلة ليست في عدد القراء أو وجودهم من عدمه، المشكلة في القيمة التي مثّلها هؤلاء في عصورهم، هل يمثل كتاب المسرح في عصرنا قيمة كما مثل هؤلاء في أزمنتهم؟ هذا سؤال يحتاج إجابة، وليست إجابته أبدًا أنه لم يعد لدينا من يكتب مسرح.

 

كيف يمكن للمسرح الناطق بالفصحى أن يستعيد مكانته من جديد ضمن هذا التدفق الكبير للعامية على الخشبة؟

لا أجد غضاضة في التعامل مع العامية، ولا أحب احتكار مصطلح الفصحى أو الإفصاح أو الفصاحة لشكل واحد من أشكال اللغة كوسيلة تواصل، أكتب المسرح بالعامية كذلك وأحب أن أسميها "الفصحى المصرية"، وإذا كان ثمة تدفق كبير للعامية على الخشبة كما تقول فهو أمر إيجابي من حيث الكم، وعلينا هنا أن نفكر كيف نجعله مسرحًا بالمعنى المناسب للعصر من حيث الكيف، أعني مسرحًا يساعد الناس على التفكير لا يسليهم فقط، مسرحًا يُعيد للناس توازنهم عبر إيقاظ عقولهم للتفكير في واقعهم وليس عبر شغلهم عن هذا الواقع، مسرحًا يستثير في الناس رغبة الحياة لا يفصلهم عنها كالمخدرات والمكيفات. علينا أن نهتم بذلك سواء أكان بـ"الفصحى" أم بالعاميات.

 

برأيك .. هل أزمة أبو الفنون اليوم أزمة نص أم أزمة تمويل؟

لا هذه ولا تلك بشكل مطلق، الأزمة في الإيمان بوجود أزمة من دون تدقيق في الصورة الكلية، إنه تبني سلبي لفكرة وعدم مراجعتها للتأكد – على الأقل- من وجودها بالصورة نفسها التي يُروّج لها. الأزمة هي أن من يتبنون هذه الصورة أصبحوا الآن مسؤولين عن إدارة وتخطيط الحركة الفنية والثقافية، تجد الواحد من هؤلاء يكرر الجمل المحفوظة نفسها عن الأزمة مؤمنًا بأنه لم يعد لدينا توفيق الحكيم ولا سعد الله ونوس ولا الشرقاوي ولا ولا ... وأن الناس لم تعد كما كانت، فلم يعد أحد يقرأ ولا أحد يذهب إلى المسرح، وأن "الجمهور عايز كده" بل يقول إن المشكلة كذلك في التمويل، يقول ذلك بينما هيئته أو مؤسسته تستقبل آلاف النصوص الجديدة وتطبع منها ما يخدم مصالح بعض الموظفين الصغار، ولا أحد يقرأ ولا أحد ينتبه، ويقول هذا بينما بين يديه ميزانية مخصصة للمسرح يتم إنفاقها على نصوص محنطة وأيضا من خلال شبكة المصالح . . . ويردد الصحافيون وراء المسؤولين مقولاتهم ويرددها الناس في الشارع ويؤمن بها أبناؤنا الذين يكبرون على إيمانهم بتلك المقولات . . . ولا عزاء للمسرح.

 

ما الذي يمكن أن يقدمه المسرح اليوم في ظل هذا الزمن المتأزم أخلاقياً وسياسياً وأمنياً؟

المسرح الحديث إنتاج فني وفكري للأزمات، قامت أهم تجاربه وحركاته الممزوجة بالفلسفة والفكر من رحم الحروب والويلات والتحولات الكبرى في المجتمعات والشعوب، فهل تظنه –بطبيعته- عاجزًا أمام ما تصفه من تأزم أخلاقي وسياسي وأمني؟

المسرح هو أحد أهم الحلول لهذا التأزم الذي تصفه، وأزمته المتوهمة هو برئ منها، هي أزمة يصنعها المأزومون والمتوهمون، ضع على رأس المؤسسات المعنية بالمسرح والثقافة أشخاصًا لم تُصبهم عدوى تبني القناعات المسافرة عبر الزمن وانظر ماذا هم فاعلون، المسرح حي وموجود وله جمهور، وثمة تجارب تؤكد ذلك وهي كثيرة وقريبة، انظر حولك لتعرف أن الناس مستعدة لملء مقاعد ألف مسرح يُقدم تجارب حقيقية وليست محنطة، ويدفعون فيها نقودهم، مثلما يحدث مع تجربة مركز الإبداع الفني في القاهرة مع المخرج خالد جلال، مسرحيات يقف الناس بالصفوف لحضورها، وتجربة المسرح القومي وغيرهما، اجعل الإعلام ينقل هذه التجارب ويُروج لها بدلا من تكرار الجمل المحفوظة: لم يعد لدينا مسرح بعد رحيل الكتاب الكبير "س، ص،ع"، لم يعد المسرح كذا وكذا بعد رحيل المخرجين العظام "أ، ب، ج"، اجعلهم يسلطون الضوء على هذه التجارب الحية ويصنعون من أصحابها نجومًا كما صنعت الأزمنة السابقة من "س، ص،ع" و"أ، ب، ج" نجومًا وسوف تنقلب الآية.

 

الكتابة مغامرة .. لماذا هذه المغامرة؟ وأين أنت فيها؟

لا أعرف لماذا تكون الكتابة مغامرة، ولكنها بالنسبة لي مرادف وجودي، أشعر بأن الكثير ينقصني إذا لم أكتب، وأؤمن بأنني أؤدي دوري في هذا الوجود من خلال الكتابة.

 

 

 

تم نسخ الرابط