قراءة في كتابات إحسان عبد القدوس السياسية
كتب - محمد خضير
59 عملًا جعلته أكثر الكتاب إثارة للجدل
تزخر الحياة الثقافية والفنية بالعديد من المؤلفات والكتابات المهمة والخالدة في نفوس وعقول المتابع والمتلقي المصري والعربي، على جميع الطبقات والتطورات الاجتماعية، وتتنوع هذه الإبداعات بين الكتابات السياسية والاجتماعية العاطفية، ومنها ما تمت ترجمته من أعمال درامية وسينمائية وفنية تنعش الحياة الدرامية والتليفزيونية وما زالت تناسب الزمان والمكان.
"بوابة روزاليوسف"، تقدم قراءة مبسطة لأبرز كتابات ومؤلفات الكاتب إحسان عبد القدوس، فكتاباته كانت متعمقة للأمور وتحمل نظرة ثاقبة ومتفحصة للأمور الحياتية والإنسانية والاجتماعية والسياسية.
رصدنا من خلال قراءة سريعة لكتابات عبد القدوس أن السياسة كانت حاضرة في كل الخطابات والفنون والأجناس الأدبية، خصوصًا في فن الرواية، الذي يعكس نثرية الواقع وصراع الذات مع الموضوع، والصراع الطبقي والسياسي، والتفاوت الاجتماعي، وتناحر العقائد والأيديولوجيات، والتركيز على الرهان السياسي، من خلال نقد الواقع السائد واستشراف الممكن السياسي.
إثارة الجدل
إحسان عبد القدوس، هو أحد أبرز كُتاب الرواية والقصة في العالم العربي، وأكثرهم إثارة للجدل، بما قدمه للمكتبة العربية من تسعة وخمسين عملًا في الأدب والسياسة، ناقش فيها قضايا المرأة، من خلال تبنيه حقها في الحرية والعمل والتعليم والمشاركة السياسية، وقد حققت أعماله نجاحًا كبيرًا في مصر والعالم العربي، بسبب تناولها القضايا الاجتماعية والسياسية والوطنية الشائكة في مصر والعالم العربي، وتعرضه لقصص اجتماعية تضم الحب والجنس والعاطفة بشكل كبير.
جمع إحسان عبد القدوس بين العظيمين، الأدب والسياسة، إلا أن حبه الأول والأكبر هو القصة والحكاية، فعندما يكتب حكاية يعيش فيها بجوانحه وعقله، ومشاعره ويتقمص شخصياتها، وإذا عمد إلى المقال، وظّف عقله وجيّش تفكيره، فكتب مقالًات عميقة وبسيطة يستهدف من خلالها القارئ العادي قبل المتخصص.
في جعبة الكاتب الراحل عبد القدوس، أكثر من 600 قصة، البطل فيها هو المجتمع المصري بكل ما يعانيه من أمراض، وما يجتازه من مِحَن أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية، وقد ناله كثير من الاتهامات التي رفضها، ومنها أنه كاتب جنس أو أديب فراش.
أنتج السينما 49 عملا بالاعتماد على روايات كتبها إحسان عبد القدوس، وما زالت تعد عن رواياته حتى الآن وبعد وفاته، وهي أفلام ناجحة تجاريًا، وتلعب أدوار أعماله كل الأجيال التي تتوافد على السينما من نجوم ونجمات، كذلك حولت 5 روايات له إلى المسرح، لكنها لم تحقق نجاحا مسرحيا.
.jpg)
"تاريخ حياة أحد اللصوص"
رواية "تاريخ حياة أحد اللصوص" من الأقلام التي تشعر بإنسانيتها في كتابات عبد القدوس، وتشعر بسلاسة سرده، وتحكمه في شخصياته، إدراكه التام للأبعاد النفسية لكل شخصية في أعماله، ذهنه المتقد، والمسجل لكل تفصيله يراها في حياته. هذا العمل عبارة عن قصص قصيرة، إلا أن الطابع الساخر الواقعي لكتابات عبد القدوس هو ما يغلب على هذه القصص فتشترك جميعها في السرد الساخر. كتاب تاريخ حياة أحد اللصوص من تأليف إحسان عبد القدوس.
.jpg)
"خواطر سياسية"
أما رواية "خواطر سياسية"، فهي مجموعة مقالات سياسية كتبها عبد القدوس في فترة مفاوضات كامب ديفيد، وبالتالي فهي رؤية متعمقة للأمور ونظرة ثاقبة، يختلف الكتاب كل الاختلاف عن الكتب السياسية بمصطلحاتها، كتاب مبسط وبسيط وبه الكثير من الوعي السياسي.
.jpg)
"ثقوب في الثوب الأسود"
"ثقوب في الثوب الأسود" هي رواية نفسية أكثر من رائعة تحكي عن الصراع العنصري الأبدي بين البيض والسود، والأجمل أنها تصوره في نفس شخص واحد "سامي" مزدوج الشخصية، عقله الواعي يجعله يعيش في شخصية الرجل الأبيض الذي يحتقر كل ما هو أسود، وعقله الباطن يجعله يعيش في شخصية الرجل الزنجي المحب للزنوج، وكل من الشخصيتين ليس لها علم بالأخرى، ولا توجد نقطة اتصال بينهما، وهذا هو التحدي الذي يواجه "الراوي" الطبيب النفسي، الذي ذهب إلى قلب إفريقيا "باماكو. مالي" ليستريح من أعباء الشغل ويُفاجأ بمواجهة هذه العقدة النفسية العجيبة إضافة إلى عقدة أخت سامي "سامية"، التي توقف نمو شخصيتها عند سن العاشرة.
.jpg)
"على مقهى في الشارع السياسي"
يضم كتاب "على مقهى في الشارع السياسي"، مجموعة مقالات سياسية كتبها تعليقًا على أحداث وقعت ما بين عامي 1976 و1978، واستطاع إحسان عبد القدوس أن ينقل حوارات المقاهي في صورة حوار يدور بين شاب وعجوز وكيف تختلف آراؤهم في ما يدور من أحداث في هذه الفترة، وهى إن دلت فإنها تدل على سر عبقرية الحوارات الدائرة هو أن نفس الكلام "بنزيد ونعيد فيه" حتى الآن، وبالتالي فالكتاب ممتع جدا ونستطيع أن نقول إنه ينقل رأي الشارع عن تاريخ هذه الفترة الذي يكون مختلفا عن تأريخ التاريخ على أيدي المؤرخين، لكنه في النهاية سيظل كلام مقاهي.
"القصة السياسية"
ولكتابات إحسان عبد القدوس القصصية نوع من القصة السياسية الاجتماعية، تجد منها "شيء في صدري" حيث يقدم تحليلا موسعا لنمو وسلوكيات أحد كبار الرأسماليين ورجال الأعمال قبل الثورة، ولعل "إحسان"، ما زال يتابع ويدرس هذه الأنماط في الأشكال الجديدة، التي أخذتها بعد الثورة، ولعل مجموعة "النساء لهن أسنان بيضاء"، حيث نماذج "سميرة هانم" وعلاقتها بشريف عبد العزيز، وميرفت هانم واحتقارها للمستفيدين من التبرعات التي تجمع باسمهم، فهي ترفض توزيع النوع الفاخر من السجائر قائلة "نوزعه إزاي بأه، هو إحنا بنوزع على أولاد الباشوات والبهوات، إحنا بنوزع على القاعدة الشعبية بتوع الدرجة الثالثة، ودول لا يفهموا في السجاير ولا يحبوها".
.jpg)
دراسة عبد القدوس
مهما توقفنا عند نماذج محددة لنوع محدد من الكتابات والقصص عند إحسان عبد القدوس، نجد فيها مادة بسيطة عن هذا الكاتب الذي ظلمته عملية الصمت عن تناول أعماله التي نجد فيها كثيرا مما يستحق الدراسة والمناقشة والاختلاف، حول مسائل فكرية، واجتماعية تمس خصوصيات الحياة المصرية في 40 عاما، وفي مجالات تتخطى المشكلات المحلية، فعدسة القصة عند "إحسان عبد القدوس"، قد تتجول بحرية وخبرة في قلب العواصم العربية والعواصم العالمية، ليقدم نماذج من الشخصيات والمشكلات والقضايا التي تجدد موضوع الرواية العربية مثل رواية "ثقب في الثوب الأسود" و"تائه في شوارع الحرمان" و"ابن صديقتي اليهودية"، وبالتالي فإن أدب إحسان عبد القدوس يحتاج مزيدا من القراءة والعرض والبحث.



