قصة زراعة محصول القرنفل في زنجبار
ترك العمانيون (حكموا زنجبار ثلاثة قرون بشكل رسمي) بصمتهم الحضارية على شرق إفريقيا في المجالات الاقتصادية (الزراعة والتجارة والصناعة). حيث ادخلوا محاصيل جديدة في زنجبار مثل محصول القرنفل ودعموا محاصيل كانت موجودة مثل جوز الهند والقطن وغيرها. وأسهموا في النهضة التجارية التي كانت في شرق إفريقيا في القرن التاسع عشر.
توافرت لزنجبار مقومات قيام الزراعة حيث التربة الخصبة والمياه المناسبة والُمناخ الملائم وتعددت المنتجات الزراعية، وكان للدور العُماني النصيب الأكبر في تطوير الزراعة في زنجبار قبل الاحتلال البريطاني. فيعد المُناخ والظروف الملائمة للزراعة من أهم ما يميز زنجبار على البر الإفريقي خاصة أن زنجبار تمتاز بغزارة الأمطار، وليس صحيحًا أن العرب أهملوا الإنتاج الزراعي بل يرجع الفضل لهم في دخول محصول القرنفل إلى بمبا وزنجبار، على يد السيد سعيد عام 1830م من جزيرة موريشيوس Mauritius الإندونيسية، وأصبحت تحتل المركز الأول في العالم حيث كان بها حوالي ثلاثة ملايين شجرة، وكان المحصول الرئيسي الذي اعتمدت عليه حكومة الحماية.
وكانت السياسة الزراعية في عهد الاحتلال الإنجليزي لزنجبار قائمة على الإنتاج الزراعي في إفريقيا الاستوائية بين عامي 1890– 1930 لا سيما على المحاصيل النقدية وكان بيع المحاصيل نقدًا غير معروف قبل الاستعمار.
ولقد أدرك البريطانيون ما لهذه المحاصيل النقدية من فوائد اقتصادية كبيرة، وحاولوا الاستفادة منها بكافة الأساليب الخاصة وكانت تشجع الرجل الأبيض على الاستفادة من الجهات الخصبة وذلك لتطوير زراعة المحاصيل الرئيسية في المنطقة لاستغلالها لحسابها الخاص والجدول رقم (1) يوضح المحاصيل الزراعية الرئيسية المهمة في زنجبار وبمبا عام 1916م والنسبة المئوية من المساحة الزراعية وعدد الأفدنـة.
المحاصيل الزراعية الرئيسية المهمة في زنجبار وبمبا عام 1916م والنسبة المئوية من المساحة الزراعية.
| جزيرة زنجبار | بمبا | ||
المحاصيل الزراعية | عدد الأفدنة | النسبة المئوية للأفدنة المزروعة | عدد الأفدنة | النسبة المئوية للأفدنة المزروعة |
القرنفل جوز الهند المحاصيل البدائية مساحات خالية | 20.000 35.000 45.000 300.000 | 20% 35% 45% - | 40.000 10.000 110.000 85.000 | 25% 6% 69% - |
الجدول رقم (1)
وبملاحظة الجدول السابق يتضح لنا ما يلي:
زيادة مساحة زراعة القرنفل في بمبا عن زنجبار
تركز زراعة جوز الهند في جزيرة زنجبار عن جزيرة بمبا.
وجود مساحات كبيرة خالية في الجزيرتين أكثر من ثلثي المساحة.
مساحة المحاصيل البدائية أكبر من مساحة المحصولين الرئيسين القرنفل وجوز الهند حيث يزرع 45.000 فدان في زنجبار بنسبة 45% من الأراضي المزروعة وكذلك في بمبا يزرع 110.000 فدان أي بنسبة 69% من مساحة الأفدنة المزروعة مع ملاحظة تنوع هذه المحاصيل بين ذرة وأرز وبطاطس وفواكهه وغيرها.
الحقيقة أن القرنفل من أهم المحاصيل الزراعية في زنجبار لما له من أهمية اقتصادية في السوق العالمي لتعدد استخداماته، حيث يمزج القرنفل بالتبغ في صناعة السجائر في إندونيسيا للتقليل من أضرارها، ويستخدم في مادة اللبان في الهند، ويدخل في صناعة الحلوى والروائح العطرية في إنجلترا والولايات المتحدة، وكذلك يستخدم في الأغراض الطبية مثل علاج الروماتيزم وعلاج الأسنان ونزلات البرد والسعال ويمنع القيء ودوار البحر. ويستخلص منه زيت القرنفل المهم في صناعة العطور والطيب وفي تحضير المعامل الكيميائية وشرائح الميكروسكوب.
وعن عملية زراعته كانت تُعد شتلات القرنفل عن طريق وضع البذور في الماء لمدة ثلاثة أيام، وتوضع هذه البذور في التربة حتى تصبح شتلات ثم تزرع في الأراضي المُعدة لزراعة القرنفل وتبدأ في الإنتاج من 6 إلى 6.5 عام. ويتراوح عمر الأشجار من 60 إلى 70 عامًا وإن وجدت أشجار عمرها 90 عامًا وارتفاعها 40 قدمًا. أما عن موسم الحصاد فله موسمان في العام يبدأ الأول من شهر يوليه إلى سبتمبر والثاني من نوفمبر إلى مايو وتجمع براعمه ثلاث مرات في كل موسم. وعن عملية صناعة القرنفل يقوم العمال بجمع البراعم من السيقان ثم تنشر وتجفف في الشمس لمدة ستة أيام أو أسبوع حيث ينقص القرنفل بعد أن يجفف إلى النصف أي أن فراسله القرنفل الخضراء تساوي نصفها بعد أن تجفف ويظهر اللون الأحمر للقرنفل بعد تجفيفه أما قرنفل بمبا فلونه أصفر وأسود، ثم يجمع بعد ذلك في شنطة مزدوجة كانت تعرف باسم ماكاندا Makanda باللغة السواحيلية ثم يؤخذ إلى الأسواق. ولمعرفة كمية إنتاج القرنفل في سلطنة زنجبار. يمكن مراجعة الجدول رقم (2)
الفترة في متوسط خمس سنوات | متوسط الإنتاج بالألف طن | الفترة في متوسط خمس سنوات | متوسط الإنتاج بالألف طن |
1896 – 1900 1901 – 1905 1906 – 1910 1911 – 1915 1916 – 1920 1921 – 1925 | 5.7 5.7 7.3 8.6 7.6 9.4 | 1926 – 1930 1931 – 1935 1936 – 1940 1941 – 1945 | 9.0 10.0 9.7 9.8 |
ومما سبق يتضح لنا أهمية محصول القرنفل حيث كثرة استخداماته الطبية، ما جعل له أهمية خاصة في اقتصاد سلطنة زنجبار تحت الحماية حيث هو المحصول الرئيسي وتنتج زنجبار ما يعادل 4/5 الإنتاج العالمي منه وكانت تستحوذ بريطانيا على معظم هذا الإنتاج وكانت زنجبار تنتج ما بين 7 – 20 ألف طن سنويًا وكان يتذبذب الإنتاج حسب الظروف المناخية وكذلك تقلب الأسعار حسب الاقتصاد العالمي.
أما جوز الهند فكان المحصول الثاني وأهم محاصيل زنجبار بعد القرنفل وهو ينمو على نوع معين من شجر جوز الهند الذي يُزرع عادة حيث تُزرع أشجار القرنفل، وتقطف ثماره طوال العام ويتسلق قاطفو الثمار الجذوع ويرمون بجوز الهند على الأرض وكانت تنزع القشرة الخارجية لجوز الهند بضرب الحبة على قضيب معدني مثبت في الأرض، وتُقسم جوزة الهند إلى قسمين وتترك لتجف حتى يمكن إزالة اللب عن القشرة، بعدها يتم تجفيف اللب ويعرف باسم الكوبرا. ولجوز الهند أهمية كبيرة حيث يستخدم في صناعة الأغذية لإعطائها النكهة أو من أجل الزينة كما يستخدم زيت الكوبرا في بعض المأكولات وكذلك لإنتاج الصابون والشموع وزيوت الشعر ومادة الكوبرا أساسية لصناعة صابون الحلاقة.
ويستفيد المزارعون من القشور الخارجية بجوز الهند ويتم دفنها في الرمال لبضعة أشهر من أجل تليين الألياف ونزعها عن باقي القشرة، وليف جوز الهند يستخدم في صناعة الحصر والحبال وهو من أهم الصادرات في زنجبار ومتوسط الإنتاج 13 ألف طن سنويًا.
وكانت صناعة خيوط حبال جوز الهند موجودة في القرى منذ فترة طويلة ويوجد العديد من مصانع ليف جوز الهند وكانت تنتج 60 طنًا شهريًا ومع عام 1962 زاد هذا الإنتاج إلى 4.104 طن سنويًا ويوجد خمسة ملايين شجرة جوز هند في الجزيرتين.
ويحتاج جوز الهند إلى عمليات جمع وعمليات نزع القشرة عن اللب وغيرها والجدول رقم (3)
كمية إنتاج جوز الهند وتكلفة الطن وإجمالي الأجور من عام 1918م إلى 1945م
الجدول رقم (3)
السنوات | إجمالي الإنتاج بالألف طن | إجمالي الأجور | تكلفة الطن بالجنيه الإسترليني |
1928 1929 1930 1931 | 9.4 11.6 12.8 11.8 | 35.5 38.8 36.1 28.7 | 3.8 3.3 2.8 2.4 |
1932 1933 1935 1938 1945 | 11.8 12.2 11.7 9.0 8.8 | 28.7 26.6 20.1 20.2 28.8 | 2.4 2.2 1.7 2.2 3.3 |
يوضح كمية الإنتاج وتكلفة الطن وإجمالي الأجور من عام 1918م إلى 1945م في سلطنة زنجبار الإسلامية. ويتضح من دراسة هذا الجدول أن إنتاج جوز الهند من 9– إلى أكثر من 12 ألف طن وكذلك يوضح الجدول انخفاض الأجور وقلة التكلفة وهذا مما فقد أسهم العمانيون في النهضة الحضارية الاقتصادية لزنجبار، حيث أدخلوا محصول القرنفل الذي كان سبب شهرة زنجبار حيث أنتجت آنذاك أربعة أخماس الإنتاج العالمي منه.
وكان محصول جوز الهند المحصول الثاني في سلطنة زنجبار حتى نهاية الحكم العربي يناير 1964.



