السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

في صيف 1998، زرت العراق بصحبة الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري، وكان العراق يعيش عزلة دولية قاسية، ويخضع لعقوبات وحصار دولي صارم، بمجرد وصولنا إلى بغداد طلبت زيارة مجلة «ألف باء» الشهيرة، التي عمل فيها كبار الكتاب المصريين الذين لجأوا إلى العراق عندما اختلفوا مع الرئيس السادات بعد زيارته الشهيرة للقدس في العام 1979، وهناك استقبلني بحفاوة رئيس تحريرها الصحفي أمير الحلو، وسألني عن زينب منتصر، التي رحلت عن عالمنا قبل أيام خلال رحلتها العلاجية في اليابان.

حاولت أشرح للأستاذ أمير الحلو أنني لست من جيلها، وعلاقتي بها لا تتجاوز تبادل التحية والاحترام، لكن بالطبع بعد عودتي إلى القاهرة، تواصلت معها وسلمتها عديد الرسائل وأبلغتها كثير السلامات من الحلو وغيره من كبار الشعراء والمثقفين العراقيين، فقد كانت الراحلة الكريمة تنتمي لعائلة المرشدي الشهيرة، وهي شقيقة الفنانة سهير المرشدي، وأيضاً شقيقة الطيار حسام المرشدي، أول شهداء حرب تحرير سيناء في أكتوبر 1973، كما تعد من ألمع تلاميذ مدرسة الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، وكان معروفاً عنها الجرأة والشجاعة، لدرجة أنها كانت من القلائل المسموح لهم بنقد الأستاذ بهاء الدين في حضوره، كما عملت في العصر الذهبي لمجلة «روزاليوسف» خلال رئاسة الكاتب الكبير صلاح حافظ، وفي حينها حملت زينب منتصر باقتدار لقب «سندريلا الصحافة المصرية».

 

من جانبها، لامتني كثيراً لعدم إبلاغها مسبقاً بزيارة بغداد حتى تحملني رسائل للعديد من الرموز الثقافية في المجتمع العراقي، وراحت تناقشني بالتفصيل حول الأماكن التي زرتها في العاصمة العراقية، وظلت تحكي عن ذكرياتها في شارع «المتنبي» ومطاعم الأسماك الشهيرة في شارع «أبو نواس».

 

كانت زيارتي للعراق مدخلاً لصداقة تجاوزت حد الزمالة، وبمرور الأيام تعمقت هذه الصداقة بعد انتقالنا من المبنى القديم إلى مقر المجلة الحالي، فقد ساعدتني الكاتبة الكبيرة في تخصيص مكتب لي ضمن غرفة «الكبار»، كما كنا نطلق عليها، حيث تجاورنا في المكاتب مع كل من الكاتب الراحل مجدي مهنا، والكاتب الراحل شفيق أحمد علي، والأخير كان ابن جيلها وأقرب الناس إليها، وبما أن مهنا لم يكن يحضر إلا نادراً وسريعاً، فقد كانت تجمعني معها جلسات أسبوعية مطولة بصحبة ثالثنا الراحل شفيق أحمد علي رحمه الله.

 

كان النقاش بيننا يتطرق إلى كثير من القضايا العامة وأحياناً القضايا الخاصة، باستثناء متابعة أخبار ابنها النابغة الدكتور حسام، الذي يعمل ويقيم في اليابان، وكذلك ابنتها طبيبة الأسنان ريم، غير ذلك كنا نتناقش معاً في كل القضايا بدءاً من مقالها النقدي في جريدة «الأسبوع»، مروراً بقضايا مؤسستنا المحبوبة «روزاليوسف» التي ننتمي إليها، وانتهاءً بالقضايا العامة التي كانت تبدي اهتماماً لرأينا في إنصات وشغف.

 

ظلت لقاءات «روزا» تجمعنا بشكل منتظم، إلى أن بدأ صديقنا شفيق أحمد علي يواجه مشاكل صحية، وكانت تتواصل معي بشكل دائم، إما لإبلاغي بأخباره الصحية، أو للتواصل معه تليفونياً، وفي مرات نادرة يسمح لنا بزيارته في بيته بمنطقة المهندسين، وكانت رحمها الله متأثرة تأثراً شديداً باعتلال صحة صديقنا شفيق، ثم كان نبأ وفاته صدمة كبرى لها ولنا جميعاً، حيث لم أرها في هذه الحال من الحزن والتأثر من قبل، واتفقنا على اللقاء في العزاء بجامع «عمر مكرم»، وظلت هناك لوقت طويل، وأبلغتني بموعد حفل التأبين الذي نظمه الكاتب علي القماش في مقر نقابة الصحفيين، وبصوت مملوء بالحزن والأسى تحدثت الراحلة عن جوانب إنسانية نادرة لم أكن أعرفها عن الراحل شفيق أحمد علي.

 

 

وفي الأيام الأخيرة علمت منها أنها تواجه متاعب صحية أنهكت قواها وامتصت كل مدخراتها بلا جدوى، فاقترح ابنها حسام أن تسافر إلى اليابان للعلاج على أيدي طبيب مختص بحالتها في مدينة تبعد عن العاصمة اليابانية، طوكيو، بنحو 700 كلم، لكن قضاء الله كتب السطر الأخير في حياة الكاتبة الكبيرة في بلاد اليابان .

 

وبما أنها كانت تتمتع بقدر هائل من الكبرياء وعزة النفس، لم تشكُ إلى جارها وابن مؤسستها كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام، فعرضتُ عليها التواصل مع النائب مصطفى بكري الذي لم يتأخر عن بذل جهود مضنية بالتنسيق مع جبر لتوفير الإجراءات اللازمة لسفرها، كما قام رئيس لجنة العلاج بنقابة الصحفيين أيمن عبد المجيد، بدور كبير في تسهيل إجراءات السفر وعودة الجثمان.

 

كانت الراحلة زينب منتصر واحدة من القلائل التي تمتلك موهبة صحفية حقيقية، وأسلوباً فريداً، تركت بكتاباتها العميقة بصمة مميزة في الصحافة الفنية والثقافية المصرية.

 

رحم الله كاتبتنا العظيمة، وكل العزاء للكاتب الكبير أحمد عز الدين ولأسرتها ومحبيها، والعزاء موصول للزميلات والزملاء في «روز اليوسف» العزيزة.

 

تم نسخ الرابط