السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

في كتاب للكاتبة أنس الوجود رضوان

«في الفاضية والمليانة»… حين يعود صبري موسى لقراءة حياتنا من جديد

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

في لحظة ثقافية شديدة الدلالة، كشفت الكاتبة الصحفية أنس الوجود رضوان، زوجه الأديب الكبير الراحل صبري موسى، عن صدور كتابها الجديد «في الفاضية والمليانة.. ملاحظات نكدية على حياتنا اليومية» عن دار الحكيم للنشر بالقاهرة، بغلاف يحمل روح التجربة ووقعها البصري، من تصميم الفنان محمود الحكيم.

الكتاب لا يُقدَّم بوصفه مجرد تجميع لمقالات صحفية، بل باعتباره استعادة واعية لصوت أدبي فريد، ظل حاضرًا في الوجدان الثقافي المصري، وقادرًا حتى اليوم على مساءلة الواقع، وكشف تناقضاته، والقبض على تفاصيله الصغيرة التي تصنع جوهر الحياة.

ـ بين الحس الأدبي والصحفي 

يضم الكتاب 350 مقالًا للراحل صبري موسى، نُشرت في مجلتي روزاليوسف وصباح الخير، حيث كان موسى واحدًا من أبرز من حوّلوا المقال الصحفي إلى نص إبداعي مكتمل، يجمع بين الحس الأدبي والدقة الصحفية، وبين السخرية الناعمة والقلق الفكري العميق.

في هذه المقالات، يقرأ موسى الواقع المصري اليومي بعيون كاتب لا يكتفي بالرصد، بل يسعى إلى الفهم والتحليل، وإلى تفكيك الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مقدمًا رؤى إنسانية تتجاوز اللحظة العابرة إلى جوهر الشخصية المصرية.

جاء غلاف الكتاب معبرًا عن عالم صبري موسى، ومكثفًا لتجربته، حيث حمل نصًا دالًا يقول: "ليس سهلًا أن تمسك بروح كاتب كبير مثل صبري موسى، ولا أن تُحاصر عالمه في صفحات مهما كثرت. فهو من أولئك الذين كتبوا كما عاشوا: بحدة البصيرة، ودفء الإنسان، وجرأة السؤال..." وهو توصيف يضع القارئ منذ اللحظة الأولى أمام كاتب اعتبر المقالة القصيرة مساحة حرة، يتجاور فيها الخيال مع الخبر، والسخرية مع الحكمة، والدهشة مع التفكير النقدي.

ـ كتاب لتركيبة فريدة 

يمتاز كتاب «في الفاضية والمليانة» بخصوصية نادرة، حيث تتداخل فيه ثلاثة أصوات في صوت واحد: الأديب، والسيناريست، والصحفي.. هذه التركيبة الفريدة جعلت نصوص صبري موسى حية، نابضة، قادرة على الإمساك بلحظات الإنسان ومفارقات الحياة اليومية بعمق وبساطة في آن واحد.

لا يكتب "موسى" من برج عاجي، بل من قلب الشارع والبيت والمقهى والذاكرة، متأملًا البشر في لحظات امتلاء الحياة وفراغها، كاشفًا عن هشاشتهم، وأحلامهم، وتناقضاتهم، دون ادعاء أو افتعال.

وأكدت الكاتبة أنس الوجود رضوان أن عنوان الكتاب «في الفاضية والمليانة» كان اختيار صبري موسى نفسه قبل وفاته، وأنها حرصت على الاحتفاظ به احترامًا لرؤيته، ولروحه الساخرة التي تلتقط المفارقة من قلب التفاصيل.

وأوضحت أن دورها اقتصر على تجميع المقالات وإعادة تقديمها، دون أي تعديل أو تدخل في النصوص، التي نُشرت كما كتبها صاحبها حرفيًا، معتبرة أن المساس بنصوص كبار الكتاب انتقاص من فرادتهم، ومن الأسلوب الذي شكّل هويتهم الأدبية، مشيرة إلى أن العنوان كلمة متداولة دائماً نرددها في حديثنا فهي ممكن تكون عنوانًا لمقال أو لكتاب.. فهي ليست كلمة أدبية إنما كلمة عامية نسخة بها لمن يتحدث كثيراً في الفاضية والمليانة.

وترى انس الوجود رضوان، أن مقالات الكتاب تغطي طيفًا واسعًا من قضايا المجتمع المصري، وتعكس وعي موسى العميق بالتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية، مؤكدة أنه أسس مدرسة خاصة به في الصحافة الأدبية، مثلما فعل كبار كتاب مؤسسة «روزاليوسف»، حين حوّل المقال إلى حكاية تُقرأ بشغف، كما تُقرأ القصة القصيرة.

ـ مسيرة إبداع لا تنطفئ

ويذكر أن الكاتب الكبير صبري موسى، ولد في دمياط عام 1932، وبدأ حياته المهنية مدرسًا للرسم، قبل أن ينتقل إلى الصحافة والكتابة الأدبية، ليصبح واحدًا من أبرز أعلامها. شغل مناصب عدة، منها كاتب متفرغ وعضو مجلس إدارة مؤسسة «روزاليوسف»، وعضو اتحاد كتاب العرب، ومقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة.. وترك صبري موسى إرثًا أدبيًا وسينمائيًا بارزًا، تُرجم إلى عدة لغات، من خلال سيناريوهات خالدة مثل «قنديل أم هاشم» و«البوسطجي» و«قاهر الظلام»، وروايات راسخة في الذاكرة مثل «فساد الأمكنة» و«حادث نصف المتر» و«السيد من حقل السبانخ»..وحصد خلال مسيرته جوائز كبرى، من بينها جائزة الدولة التشجيعية 1974، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 2003.

وأخيرا وليس بآخر.. لا يأتي كتاب «في الفاضية والمليانة» بوصفه عملًا تذكاريًا فحسب، بل كرسالة ثقافية تعيد تقديم صبري موسى للأجيال الجديدة، باعتباره كاتبًا لم يكتب لعصره فقط، بل كتب للإنسان في كل زمان.. وهي مقالات تثبت أن الكتابة الحقيقية لا تشيخ، وأن الملاحظة الصادقة قادرة على تجاوز الزمن، وأن صوت الكاتب، حين يكون نابعًا من عمق التجربة والوعي، يظل حاضرًا، لا ينطفئ، ولا يغيب.. وفي هذا الكتاب، يعود صبري موسى ليجلس إلى جوار القارئ، يحكي له، يسأله، يضحكه أحيانًا، ويقلقه كثيرًا، مؤكدًا أن الأدب حين يلامس الحياة، يظل حيًا… في الفاضية والمليانة.

تم نسخ الرابط