"الأعلى للثقافة" يحتفل بمئوية الباحثة ملك حفني ناصف
كتب - محمد خضير
أقام المجلس الأعلى للثقافة، أمسية بعنوان "المرأة المصرية والكتابة.. في مئوية باحثة البادية ملك حفني ناصف"، بحضور الدكتور سعيد المصري الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ومشاركة الكاتبة إقبال بركة، والدكتورة عزة بدر، والكاتبة هالة البدري.
أدار الأمسية الناقد الدكتور أحمد درويش مقرر لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس، الذي أشار إلى تزامن ذكرى باحثة البادية بالمصادفة مع اليوم العالمي للمرأة، فهنا يوم عالمي وآخر محلي، ملك شابة رحلت في بداية الثلاثينات، هي ابنة حفني ناصف الأزهري المستنير، والدلالة هنا بسيطة، بأنه من قلب المحافظة والأصول ممكن أن ينبت المستنير، ولا شك أنها تركت بصمة على حياة المرأة وكتاباتها، تلك الشخصية النموذجية للتمرد والتناقض، التي تعد نبعًا عظيمًا تفجر وظلت تنهل منه الأجيال لمئة عام، وأضاف أنه من النساء من هي افضل من الرجال بعلمها.
وأشار الدكتور سعيد المصري، إلى أن الأديبة إقبال بركة هي التي دعت لهذا الاحتفال، وأكدت على ضرورة اهتمام المجلس بهذه الكاتبة العظيمة، من خلال مقال لها، وعلى هذا الأساس تم تنفيذ دعوتها، مؤكدًا أن رموزنا الثقافية، خصوصا المرأة يجب أن تكون محل اهتمام.
وأضاف الدكتور سعيد المصري، أن الراحلة ملك حفني ناصف عانت الكتابة في بيئة مصرية معادية لوجود الفتاة في الحياة العامة، فملك امرأة مصرية تعيش مثل كل نساء مصر في ذلك الوقت، اللائي كانت كل مهماتهن الزواج والإنجاب، ورغم أنها كانت ابنة رجل علم إلا أنه زوجها وهي صغيرة في السن، وحكم عليها هذا الوضع التقليدي أن تعيش حياة تقليدية، فهي باحثة البادية صوت نسائي، وقد ماتت في سن صغيرة ولو كتب لها أن تحيا أكثر من ذلك، لأنجزت في الكتابة والأدب الكثير، وأضاف أنها تركت مشروعًا أدبيًا يستحق أن نقف إجلالًا له.
وأشادت الكاتبة إقبال بركة، باحتفاء المجلس بكاتبة مصرية رحلت منذ أكثر من مئة عام، في عمر ناهز ٣٢ سنة، حيث كانت في ريعان شبابها، مؤكدة أنه رغم عمرها القصير، إلا أنها استطاعت أن تفعل الكثير، فقد ولدت بعد الاحتلال البريطاني لمصر بـ4 سنوات، ونشأت وسط هذا الصراع بين الفكر العثماني والفكر الأوروبي الجديد، في القرن العشرين، ولحسن حظها أنها ولدت لرجل مثقف وهو المستشار القانوني والكاتب حفني ناصف.
وأضافت إقبال بركة، أن ملك صنيعة القدر أولًا، ثم هذا الرجل العظيم، الذي وقف بجانب ابنته وادخلها مدارس فرنسية، حيث لم يكن هناك في ذلك الوقت مدارس عربية، حتى افتتحت ابنة الخديو إسماعيل مدرسة عربية وهي مدرسة السنية، فألحقها والدها فورًا بهذه المدرسة، التي شهدت نجاحها بتفوق وتخرجت الأولى على دفعتها.
وأشارت إلى أن ملك لفتت نظر أحمد لطفي السيد بكتاباتها، فلما أنشأ جريدة "الجريدة" دعاها للكتابة فيها، واستطاعت أن تكتب فيها مقالا أسبوعيًا، ودعت إلى تحرر المرأة المصرية من الفكر العثماني الذي حبس المرأة في قمقم، لم يأمر به الدين الإسلامي، ودرست الإسلام جيدًا، حتى قالوا عنها إنها لا ينقصها إلا العمامة حتى تصبح شيخا، وحين ماتت سار في جنازتها الآلاف، كما أن أمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم كتبا قصائدهما لتأبينها، وأيضا الرائدة هدى شعراوي تأثرت بها كثيرًا.
وأضافت فعلت ملك الكثير من أجل مصر، حين تم تعيينها مدرسة في السنية، خرجت للأسر الفقيرة، وكانت تزور العائلات وتطالبهم بأن يضموا بناتهن للمدرسة، وحينما تركت مدرسة السنية خرجت من المدرسة 70 تلميذة، ورفضن استكمال التعليم بسبب مغادرتها، وحين سافرت مع زوجها إلى الفيوم فتحت أول مدرسة للبنات على حسابها الخاص، تبث فيها الحماس والوطنية، وكانت خسارة كبيرة بوفاتها في هذه السن الصغير.
ومن جانبها قالت الدكتورة عزة بدر، أنها سعيدة بالمشاركة في الحديث عن ملك، لأنها ليست فقط جزءًا من الناس؛ لكنها جزءً من النخبة، وكانت مؤمنة بمقولة الفيلسوف الإنجليزي "هربرت سبنسر": "إن الآراء التي نراها خطأ لا تكون خطأ محضًا"، لذا فهي تناقش وترد بمنطق فكري يحترم الاختلاف، وتعتمد على التجربة والخبرة والمشاهدة وليس على ما يجود به الخيال.
وأضافت أن ملك امرأة استهدفت النفع العام منذ مئة عام، ولم تنكسر أمام تجربتها الشخصية وهي طلاقها بسبب عدم الإنجاب، وهي أول كاتبة تدعو لتجديد الفكر الديني، كما أنها أثّرت في عصرها من خلال مي زيادة التي لفتت ملك نظرها إلى موضوعات الزواج والطلاق، كما جادلت الأدباء في عصرها، كما أثرت في النخبة تأثيرًا عميقًا، وإذا كانت قضية تحرير المرأة طائرًا له جناحين، فالجناح الأول هو قاسم أمين، والجناح الثاني سيكون ملك حفني ناصف بكتابها "النسائيات".
من جانبها قالت الكاتبة هالة البدري: إن ملك أنشأت أول اتحاد نسائي للمرأة المصرية، ودعت إلى تعليم المرأة وتمسكت برأيها هذا، كما التزمت بأدبيات الحوار واحترام الآراء وآداب الانتقاد، ودعت لأن يكون السجال في الموضوعات العامة في إطار حدود الاعتدال، ولم ترفض الحجاب بل دعت للتقدمية حتى مع ارتدائه، المهم أن يتغير المجتمع أولًا، ودرست مجتمعها جيدًا، ورفضت التقليد الأعمى لكل ما هو أجنبي.



