الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

دينا الوديدي.. أيقونة الغناء المستقل

دينا الوديدي.. أيقونة
دينا الوديدي.. أيقونة الغناء المستقل

كتب: مصطفى فاروق

 

 

"تدور وترجع وجع واعتكاف، وتطبق عليك السنين العجاف، وأول ما حبك يقابلك يسيبك، وأول ما حبك يسيبك تخاف".

 

 

ستلخص هذه الكلمات بمعانيها التي ربما لن تفهمها إلا لو ذقت مرارة العشق الأول وانغرس في قلبك سهم الهجر والفراق، ووقعت في فخ تعاويذ من أحببت وسحرت بعينيها وغرقت في "دباديبها"، وسرت خلف دقات قلبك كمن يسير خلف قطيع من الخراف دون أن تجهد عقلك ولو ثانية أن تفكر في جدوى ما "دلقته" من مشاعر مفرطة، واستحققت عن جدارة لقب "الولهان"، الذي سرعان ما تحول لمعناه الحقيقي "المغفل"، أعطيت روحك على طبق من ذهب لمن لا يستحق، سلمت مفاتيح قلبك لسجانك، وغرقت في بحر "الحب المزيف"، رغم علمك بعجزك عن السباحة بالأساس.

 

 

معانٍ كثيرة من الألم والحسرة والانكسار، دفنت تحت جرعات "اوفر دوز" من بهارات "الرومانسية الكاذبة"، حملتها بضع كلمات من أغنية، ربما ستبدو بالتأكيد مألوفة بالنسبة إليك إن كنت من مدمني "الساوند كلاود"، أو حتى وقعت عينيك على كلماتها "متبعترة" على إحدى بوستات "مُحن" السوشيال ميديا، لن تمر عليك مرور الكرام حتى تطلق في ذهنك صيحات من "اااااه"، فور تكملتك إياها "صنعت سجنك من الهوا ودخلته بارادتك، واديت حبيبك نفسك ما سألت فين حطك"، لتشعر ويكأن "سوطًا" نزل بضرباته على ظهرك كنوع من أنواع التعذيب، والتكفير عن الذنوب "جلدة" تلو أخرى في كل كلمة تمر مع كل ثانية من عمر التراك، تستحضر في مخيلتك كل ذكرى مؤلمة وكل "شعور" جميل انتهى به المطاف بوجع ليس له مسكن سوى "الزمن"،  يامن هربت من غدر البشر في أحضان من أحببت، حتى وجدت في حضنه ما يكفيك غدر وآلام الجميع، لتكتشف بعد فوات الأوان مدى "التغفيلة" التى عشت فيها دون أن تدري، "إكمن كلة أذااك قررت تعشق ملاك، ياللى عشقت الملاك حتى الملاك صدك".

 

 

اللعب على وتر العاطفة، واستدراج المشاعر لا إراديًا في متاهة من السرحان على وقع معاني ما تغنيها، ممزوجة بوصلات آسرة للمسامع من المزيكا والأداء الغنائي المفعم بالأنوثة والآهات المختزلة في صيحات غنائية بين كل كوبليه وآخر، هو ما أطلق العنان لشهرة واسعة المدى في وقت قياسي لاسم استحق عن جدارة لقب "معشوقة الجمهور"، في إحدى أكثر روائعها الغنائية انتشارًا "تدور وترجع"، هي حالة "عشق" أكثر منها مجرد اسم لمطربة، إدمان إن جاز التعبير عنها بذلك، قلوب تتطاير في السماء مصحوبة بصيحات من "بنحبك يا دينا"، و"يخربيت جمالك"، و"إيه الحلاوة دي"، تجدها غمرت أي مكان تدخله، تكدس جماهيري بدون أي فراغ حتى لوطأة قدم زيادة في أي حفلة لحفلاتها، الكل صامت في حضرتها، الكل منتظر لظهورها، سكون ما يسبق العاصفة ينهمر في أرجاء المسرح، تعجز حتى عن سماع دوي "سقوط" إبرة على الأرض، ليتحول الصمت فجأة لدوي زلزال يضرب الأرجاء فور لمح شعرها يتطاير على الخشبة، ليخرج الجميع مكنوناته بصراخ لا تهدأ وتيرته لدقائق، حتى تجبرهم هي على "الخرس" المفاجئ للدخول في "محراب" صوتها، والتأمل في جماليات تمايلاتها الرقيقة وابتسامتها الآسرة.

 

 

"في ملكوت آخر" تعيش على مدار ساعتين فيما أكثر من عمر حفلاتها، كل كلمة تخرج بإحساس، وكل إحساس يخرج بتأوهات مختلفة من الحضور، ممن يصعب تصنيفه بعمر معين، صغيرًا، شابًا أو في مقتبل عمره، الكل دخل في غيبوبة من "الهايبرة"، بين الرقص والأحضان والدبدبة ع الآرض وترديد كلمات أغانيها عن ظهر قلب، بعيدًا عن جودة صوتها وإجادتها للغناء من عدمه، فيكفي لجمهورها فقط "إحساسها" و"إطلالتها"، حتى وإن ظلت طوال الحفل صامتة أو "صوتها رايح" أو حتى "نشزت"، أو حصل أي خطأ تقني في الصوت والمزيكا، فلا يشكل أي من ذلك فرقًا، فالكل بالفعل في حضرتها "سكران"، يشعر بالأسى فور سماعه كلمات "دي آخر أغنية في الحفلة"، ليصيح داخليًا بـ" لااااا"، "غني تاني تاني تاني".

 

 

"دينا  الوديدي"، مطربة كانت منذ بضع سنوات قليلة صاعدة، لتصبح في غضون وقت قياسي "أيقونة" من أيقونات مجال الأندرجرواند أو ما يعرف أكثر دقة بوسط المزيكا المستقلة، انطلقت في رحلتها الفنية منذ اشتعال فتيل ثورة يناير، لتشتعل معها نيران موهبتها الدفينة، بعد ظهورها تدريجيًا بدخولها ضمن فريق "الورشة" المسرحية، من قلب دراستها للغات الشرقية بجامعة القاهرة، لتأخذ من خشبة مسرحها أولى خطواتها، وتعمقت أكثر في التراث والفلكلور وأصول الغناء، لتروي بذرة موهبتها بخبرات عدد من عمالقة المجال مثل فتحي سلامة وكاميليا جبران، واستلهمت  قرارها بالانطلاق في مشروعها الموسيقي المستقل، والذي يحمل اسمها، ورؤيتها الغنائية الخاصة، المازجة بين روح التراث بلمسة عصرية، وصولًا لفرصة لقائها للموسيقي البرازيلي جيلبرتو جيل، وانضمامها لفريق مشروع النيل، الذي يجمع ألوان ثقافات دول حوض النيل في لوحة موسيقية واحدة عبر بروجكت غنائي موحد، وحتى تجسيدها لحلمها الغنائي عبر أول ألبوماتها، ملخصًا لشغف سنوات وخلاصة تعب و"لف ودوران" ، ألبوم "يعكس شخصيتها"، استلهمت اسمه من أكثر أغانيها طلبا، بين "التدوير" والسفر والغربة وحتى "الرجوع" للأصل والتراث، وخوضها جولات احتفالية بين المحافظات المصرية لأنحاء القارة السمراء وأوروبا.

 

 

 

لكل أغنية من أغانيها، "كراكتر" خاص بها، وحالة منفصلة، تصيبك بعضها بالقشعريرة لأجوائها الأقرب ماتكون للصوفية والشعورية في مجملها، فتكفي فقط مجرد ذكر "قد خاب عبد لا يصلي على النبي، النبي عربي مالي شفيع سواه"، لتدرك فورَا أنك على وشك الانغماس في وصلة "فصلان" عما يحيط بك وتنسى لبضع لحظات كل ما يؤرقك من هموم، وتغوص في غيابات "السيرة"، والمناجاة "أشكو لمن رفع السماء بلا عمد، إلهي تعالى مقتدر في علاه، على ماجرالي يا ويح قلبي ماجرا، صابر على حكم الكريم مولاي"، مع قليل من الفضفضة بما داخلك، "استغفر الله العظيم من الخطأ إلهي تعالى واحد لا سواه"، لتشعر ولو قليلًا ببضع الطمأنينة والهدوء النفسي، ما تلبث أن تجدك تلقائيًا انتفضت مع "دخلة" مزيكا "لازم أنزل الحرب بكرا البلاوي حزينة، ولا اخلى ولا بنت بكرة، إلا لما تشلي حزيني".

 

 

أو حتى اندماجك في "قوقعة" حالة "دواير"، وغرقك في بحر كلمات "عارفك مش تايهة ولا عارفة فين الطريق والمكان والحقيقة"، وتسرح مع هدوء أدائها، الممزوجة بقليل من سحر الزار على طريقة فرقة مزاهر،  والتي تخطفك فورًا بجملتها الأشبه بتعويذة  "يا آمر يا حاير يا ماشي في دواير، يا نايم وصاحي في كل السرايرمع عمق معاني رائعة "الحرام"، والتي تجبرك على تمايل رأسك يمينًا ويسارًا كما "الحضرة" على وقع إيقاعات الدف والغناء الجماعي، لتأخذ من بعدها قسطًا من الراحة من هول "خطفتها" مع الحالة الهادئة جدًا في أغنية "الليل بيسبق رجفة البردان، والدنيا تشتي فوق جبينه ورود"، لتصل أخيرًا إلى رائعة "الحرام" والتي مثلت "انتفاضة" غنائية بكلماتها، "الحرام مش إني أغني، الحرام مش إني أحب، ده الحرام هو الكلام اللي نصه يا عم كدب، الحرام هو الحرام ياعم يا بتاع الكلام".

 

 

 

تم نسخ الرابط