نص كلمة السيسي بالجلسة الرئيسية لمؤتمر ميونيخ للأمن (فيديو)
كتب - رفيدة عوضين
ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة في الجلسة الرئيسية لمؤتمر ميونخ للأمن، وتقدم "بوابة روزاليوسف" نص كلمة السيسي بالمؤتمر، التي جاءت كالتالي:
السلام عليكم.. اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالشكر للسفير ايشنجر، رئيس المؤتمر على دعوتي للمشاركة في هذا المنتدى المهم ليس فقط بصفتي رئيسًا لدولة تتفاعل مع محيطها الإقليمي الإفريقي والعربي، وتتطلع بدور رئيسي في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية لمنطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، وإنما أيضا لكون مصر تسلمت منذ أيام قليلة الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي لعام 2019 وتتطلع كعادتها دومًا للتعبير عن شواغل الشعوب الإفريقية الشقيقة الرامية لتحقيق الاستقرار والتقدم ودفع عجلة التنمية قدمًا.
الحضور الكريم.. ينعقد المؤتمر هذا العام وسط تحديات ومخاطر متزايدة ومتشاعبة من بينها استمرار بؤر التوتر والصراع على الصعيد الدولي وتفشي مخاطر الإرهاب والتطرف وتصاعد معدلات الجريمة المنظمة وما يشكله ذلك من ضغوط على مفهوم الدولة الوطنية وانهيار مؤسساتها بصورة باتت تزيد من تعقيد الأوضاع وخطوراتها على مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها.
وقد ضاعف من وطأة تلك التحديات ما يشهده النظام الدولي من استقطاب وتصاعد في حدة المواجهات السياسية إلى جانب تحديات الطبيعة كتغير المناخ والتصحر ونقص المياه وغيرها، وهو ما يتطلب العمل على تعزيز الجهود الدولية لأن تحديات العصر الراهن تفوق قدرة أي دولة أو تجمع محدود على مواجهتها، لكونها سارت لا تعترف بالحدود الجغرافية وبات تأثيرها يشمل الجميع.
تلك التحديات تظهر بوضوح في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية على حد سواء، فنحن نشهد نزاعات مسلحة وحروب أهلية وصدامات عرقية ومذهبية وهجمات إرهابية، فضلا على مشكلات الفقر والبطالة وضعف الإنتاجية وتردي مستوى الخدمات المختلفة، وما يرتبط بها من أزمات اقتصادية وعدم استقرار الأسواق المالية ومشروطيات التدفقات الرأسمالية وتفاقم ظاهرة الديون، وكلها مشكلات تتطلب تعاونًا دوليًا صادقًا لحلها يقوم على مراجعة وتقييم نماذج التعاون التقليدية، بما يسهم في إنهاء النزاعات والنهوض بعدد من المجالات ذات الأهمية، مثل ترسيخ مفاهيم الحوكمة الرشيدة وحماية حوق الإنسان بمفهومها الشامل وتمكين المرأة التي تعد نصف المجتمع، بالإضافة للارتقاء بمستوى التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية والزراعة والتنمية الريفية وخلق الوظائف وزيادة الاستثمارات والتجارة وتعزيز الاندماج والتكامل الإقليمي.
السيدات والسادة في ظل تلك التحديات تتمحور أولويات الاتحاد الإفريقي لعام 2019 حول دفع التكامل الاقتصادي الإقليمي على مستوى القارة، عبر التركيز على زيادة الاستثمارات في مجالات البنية التحتية وتسهيل حركة التجارة البينية من خلال الإسراع بإدخال اتفاقية منطقة التجارة الحرية القارية حيز النفاذ، فضلا على الاستمرار في وضع برامج وخطط التنمية المستدامة في اطار أجندة إفريقيا 2063 موضع التخطيط والتنفيذ المتدرج والفعال، وبناء القدرات الوطنية والإقليمية على ذلك الصعيد ولعله من المهم في هذا الإطار أن أشير إلى أن إحدى أولويات دول الاتحاد الإفريقي ونحن على أعتاب عام "إسكات المدافع" بالقارة في 2020 هو ملف إعادة الإعمار والتنمية في فترة ما بعد النزاعات، بما يتيح تحقيق الاستقرار في مختلف ربوع القارة من خلال بناء وتمكين مؤسسات الدولة الوطنية من الاطلاع بمهامها، واتصالا بذلك تعمل مصر مع مفوضية الاتحاد الإفريقي على تدشين مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية الذي تستضيفه القاهرة ونتطلع لأن يكون أداة إقليمية فعالة في مساعدة الدول التي خرجت مؤخرا من النزاعات المسلحة على تقييم احتياجاتها وبلورة تصورها الوطني لمسار إعادة الإعمار.
ومن هذا المنطلق ترحب مصر بالتعاون مع جميع الشركاء الدوليين لإرساء منظومة الأمن وتحقيق التنمية المستدامة في القارة الإفريقية من خلال تدعيم سبل التعاون الذي يقوم على تعبئة الموارد كافة والاستفادة من الخبرات الممتدة إفريقيا ودوليا، فالاستثمار في القارة الإفريقية يمثل استثمارا لمستقبلنا جميعًا، فعدد سكانها يزيد على المليار نسمة ولديها من الموارد والإمكانات والثروات التي إذا أحسن استخدامها وتوظيفها ستجعل من القارة الإفريقية قاطرة النمو الاقتصادي العالمي خلال العقود المقبلة.
السيدات والسادة لا شك أن الإرهاب بات ظاهرة دولية لها مخاطرة متعاظمة تؤدي لزعزعة استقرار المجتمعات، وهو ما يستلزم من الجميع بذل جهود حثيثة وصادقة لاقتلاع جذور تلك الظاهرة البغيضة التي تعد التهديد الأول لمساعي تحقيق التنمية بما في ذلك تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات التي تمارس الإرهاب أو الدول التي ترى في غض الطرف عنه بل وفي حالات فجة تقوم بدعمه وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومطامع إقليمية.
وجدير بنا في هذا السياق التأكيد أن عدم تسوية القضية الفلسطينية بصورة عادلة ونهائية يمثل المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فتلك القضية هي أقدم صراع سياسي نحمله معنا، إرثًا ثقيلًا على ضمائرنا منذ بدايات القرن العشرين، ولا بد من تضافر حقيقي لجهود المجتمع الدولي لوضع حد طال انتظاره لهذا الصراع وفقا للمرجعيات الدولية ذات الصلة والمتوافق عليها، وإعمالا لمبدأ حل الدولتين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود الرابع من يونيو عام 67 عاصمتها القدس الشرقية، والتخفيف من معاناتهم اليومية لأن ذلك سيشكل نواة الانطلاق الفعلية للتوصل لحلول ناجحة للصراعات الأخرى.
أن من أهم القضايا الملحة كذلك على الساحة الإفريقية هي قضية الأمن في ليبيا، وهي قضية تتطلب منا جميعًا تقديم الدعم اللازم للمسار السياسي ولجهود المبعوث الأممي والعمل على دعم وتمكين مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية وقد حرصت مصر على تقديم العون للأشقاء في ليبيا لمساعدتهم على استعادة عافيتهم وتوحيد المؤسسة العسكرية وبناء عملية سياسية مستدامة بما ينعكس إيجابا على الشعب الليبي والوضع الإقليمي في منطقتي شمال إفريقيا والساحل الإفريقي.
ولا يفوتني في هذا السياق أن أتحدث عن قضية الهجرة واللاجئين وما تتطلبه من معالجة تتسم بالشمول والابتكار، تأخذ في اعتبارها جذور الأزمات المسببة لها وتسعى لتخفيف المعاناة الإنسانية المصاحبة لتلك القضية خاصة أن العبء الأكبر لعواقب النزوح واللجوء يقع على عاتق دول الجوار التي تستقبل الجانب الأكبر من المهاجرين والنازحين في إفريقيا وانطلاقا من إدراج دول القارة الإفريقية لأهمية التعامل الفعال مع هذه الظاهرة، فقد انخرطت هذه الدول في عمليتي "فاليتا والخرطوم" وشارك بعضها في وضع العهد الدولي للهجرة كإطار منظم يتيح التعاون والعمل المشترك من اجل إيجاد حلول بناءة لهذا التحدي.
كما ساهمت أيضا الجهود والمبادرات الوطنية في العديد من الدول الإفريقية في تعزيز التعاون مع تلك الظاهرة ومن بينها الجهود التي بذلتها مصر حيث نجحت في وقف أي محاولات للهجرة غير الشرعية عبر شواطئها منذ سبتمبر 2016 كما دخلت في آلية حوار ثنائية مع عدد من الدول الأوروبية لتأسيس تعاون ثنائي للتعامل مع تلك الظاهرة ليس فقط من حيث تداعيتها بل وبحث سبل التغلب عليها وعلى أسبابها، فضلا على استضافتها للملايين من اللاجئين الذين يعيشون باندماج كامل في المجتمع المصري دون أي دعم خارجي ملموس مع الحرص الكامل من جانبنا على عدم المتاجرة بهذه القضية التي تتعلق بجوانب إنسانية في المقام الأول.
السيدات والسادة إن إيمان مصر بأهمية الحوار الدولي واتصالا بقضايا الأمن والسلم كان دافعا لنا لتدشين منتدى أسوان للأمن والتنمية المستدامة الذي تعقد دورته الأولى نهاية 2019 ليكون منصة دولية لبحث سبل تعزيز الترابط بين السلام والتنمية وبلورة تصورات وأطروحات عملية لبرامج تنموية انتقالية لتعزيز ثقافة السلام ودفع جهود إعادة البناء والإعمار في مرحلة ما بعد النزاعات.
وختامًا نستطيع تأكيد أن محور الأمن والسياسات الذي نهدف لتحقيقه بمفهومه الشامل سياسيا واقتصاديا وثقافيا سيظل هو الأرضية المشتركة التي يتعين علينا جميعا التركيز عليها والتعاون بشأنها خلال السنوات المقبلة.
شكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
واقرأ أيضا
السيسي من ميونخ: مصر تتطلع للتعبير عن شواغل الشعوب الأفريقية
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421397
رئيس مؤتمر ميونخ للأمن: مشاركة الرئيس السيسي حدث تاريخي
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421401
السيسي: القمة العربية الأوروبية فرصة لإيجاد أرضية مشتركة
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421406
السيسي: تحديات العصر الراهن تفوق قدرة أي دولة وتأثيرها يشمل الجميع (فيديو)
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421408
نص كلمة السيسي بالجلسة الرئيسية لمؤتمر ميونيخ للأمن (فيديو)
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421410
السيسي: "منتدى أسوان للأمن والتنمية" منصة دولية لدفع جهود الإعمار فيما بعد النزاعات (فيديو)
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421419
السيسي: يجب تضييق الخناق على الإرهابيين ومن يدعمونهم (فيديو)
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421428
السيسي: مصر رسخت لقيم العيش المشترك بين أبنائها
http://www.rosaelyoussef.com/news/details/421430



