بناه محمد علي باشا وجدده الحفيد.. المسجد الكبير بـ"الزقازيق" تحفة فنية فريدة
مسجد محمد علي باشا الكبير بالشرقية يقع في أقدم منطقة تجارية سكنية بمدينة الزقازيق عاصمة المحافظة، وهو "حي القيسارية" ومنه شارع الحمام الذي يشتهر ببيع فوانيس رمضان ولوازم السبوع وأعياد الميلاد والبخور والعطارة ولعب الأطفال، والذي يشبه إلى حد كبير أحياء مصر الفاطمية والمملوكية من حيث الشكل والروح، وشوارع الحي في المجمل تشبه إلى حد كبير شوارع ودروب وحواري حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية، والمسجد الكبير بناه بنفسه محمد علي باشا، وقام بتجديده حفيده الخديو عباس حلمي الثاني.
أنشئ في تاريخ مبكر من حكم الأسرة العلوية لخدمة العمال بقناطر "بحر مويس"
وحكم محمد علي مصر عام 1805، ومعه بدأت مصر نهضة في كل المجالات، بعد أن عانت الأمرين منذ دخول العثمانيين عام ١٥١٧، وهزيمة آخر سلاطين المماليك "طومان باي" الذي أحبه المصريون حباً جماً ونال تقديرهم وبكوا عندما أمر سلطان العثمانيبن سليم الأول بشنقه على باب زويلة، ومن وقتها أصبحت مصر ولاية عثمانية تعيش في عزلة، تعاني من الجهل والتخلف والخرافات والشعوذة، حتى تولى محمد علي باشا، فكان عصره نقله نوعية في تاريخها الحديث.
محمد علي باشا
كان الاقتصاد أول اهتمامات محمد علي باشا، واختار أن يكون الزارع والصانع والتاجر الوحيد في مصر، متحكما في كل شيء، وفي عصره نجح في جعل مصر تناطح القوى العظمى في العالم، وكانت محافظة الشرقية ضمن أهم مشروعاته.
قام محمد علي بإنشاء القناطر التسعة على بحر مويس بالشرقية ضمن آليات نهضة مصر، بغرض تنظيم عمليات الري لتوفير المياه واستخدم في إنشاء تلك القناطر عدداً كبيراً من العمال الذين أقاموا بجوار منطقة العمل فى عشش من طين وخوص، وتبعهم باعة للمأكولات والسلع، وتدريجيا ظهرت حياة على جانبي بحر مويس، وازدادت الأبنية والعمارة، وفي عام 1832 أصدر محمد علي أمراً ببناء المسجد، وهو تاريخ يشير إلى بدايات الأسرة العلوية.
والمسجد الذي شهد أعمال تجديد وتوسعة كبيرة في عهد الخديو عباس حلمي الثاني سنة 1894، مسجل أثرا بقرار وزاري صدر عام ٢٠٠١، وهذا مسجل في نص التجديد أعلى المدخل الرئيسي للمسجد، وقد شملت أعمال التجديد أشغال نجارة للأبواب والشبابيك والمنبر والمئذنة وغيرها.
المسجد من الخارج عبارة عدة واجهات، أهمها الشمالية التي يقع بها مدخلان له، ويبلغ طول الواجهة الشمالية 22.30م، وتنقسم إلى 4 مداخل، الأول مدخل رئيسي والثالث فرعي، والثاني والرابع شباكان مستطيلان يعلو كل منها زخارف بسيطة.
والمدخل الرئيسي معقود بعقد ثلاثي الفصوص، يلتف حوله جفت لاعب ذو ميمات نفذ بالخفر في الحجر، ويشغل باطن العقد علي جانبين، خمس صفوف من المقرنصات ذوات الذيل الهابط حتي بداية الطاقية، ويشغل طاقية العقد لفظ الجلالة باللون البني محاكاة للطراز المشهر، ويبلغ اتساع فتحة الدخول 1.60م، وارتفاع 2.90م، ويغلق عليها باب خشبي من مصرعين، قوام زخرفت كل مصرع ثلاث حشوات، ويعلو فتحة باب الدخول لوحة رخامية طولها 1.75م، ترتكز على صفين من المقرنصات بمثابة كوابيل تحملها، وهي عبارة عن نص تجديد المسجد في عهد عباس حلمي الثاني، جاء في سطر واحد بالخط الثلث البارز باللون الأسود على أرضية بيضاء يحيط بها إطار زخرفي نفذ بالحفر البارز... "جدد هذا المسجد في عهد خديو مصر عباس حلمي الثاني الأفخم أدام الله أيامه سنة 1312ھ".
ويبلغ طول الواجهة الجنوبية الشرقية 20.20م، وهي واجهة بسيطة مبنية من الطوب الآجر، عليها طبقة من الملاط، وقسمت إلي خمس دخلات، الوسطي شغلت بحنية المحراب من الخارج يعلوها قمرية مغشاه بالجص المعشق بالزجاج الملون، ويوجد يمين ويسار حنية المحراب من الخارج 4 فتحات شبابيك يغلق علي كل فتحة 3 ضلف خشبية، ويعلو كل فتحة شباك على شكل قندلي بسيط مغشى بالجص المعشق بالزجاج الملون على أشكال هندسية، ويعلو كل دخله 3 صفوف من المقرنصات، ويتوج الواجهة صف من الشرفات الحجرية على شكل ورقة نباتية خماسية.
وتشغل الواجهة الجنوبية الغربية مبان حديثة عبارة عن "الميضة" ودورات المياه وبقايا الوكالة التجارية التي كانت ملاصقة للجدار الجنوبي للمسجد.
ويبلغ طول الواجهة الشمالية الغربية 20م، وهي غاية في الروعة والاتقان، مبنية بالحجر الجيري وقد راعى الصانع السيمترية والتوازن بين وحداتها، ويشغلها في الجزء السفلي 4 حوانيت (دكاكين).
أما الجزء العلوي من الواجهة فهو عبارة عن 5 دخلات يحيط كل منها جفت لاعب ذو ميمات من المقرنصات، وشغلت الدخلات 3 أشكال قنديلية بسيطة ذات عقود نصف دائرية، ويتوج الواجهة من أعلى صف من الشرفات الحجرية على شكل ورقة نباتية مركبة.
والجدير بالذكر أن نوافذ هذه الواجهة تخص مصلى الحريم المقام أعلى الحوانيت، وبهذا يعد المسجد من المساجد المعلقة، كإحدى السمات المميزه للعديد من المساجد بمدينة الزقازيق.
وصف المسجد من الداخل عبارة عن مساحة مستطيلة مقسمة إلى 3 أروقة بواسطة صفين من الأعمده الرخامية، ويؤدى المدخل الرئيسي في الواجهة الشمالية إلى داخل المسجد مباشرة.
والمسجد مغطى بسقف خشبي من "براطيم خشبية" ذات زخارف نباتية محوره، وأشكال هندسية قوامها أنصاف الأطباق النجمية.
ويتوسط سقف المسجد "شخشيخة خشبية" بديعة الصنع والزخارف، وهي ثمانية الشكل زخرفت أركانها المثلثة بزخارف نباتية باللون الذهبي والأحمر على أرضية زرقاء داكنة، أما الأركان المربعة فشغلت بأسماء الخلفاء الراشدين (أبو بكر- عمر- عثمان- علي) باللون الذهبي على أرضية حمراء داخل إطار مفصص باللون الذهبي، ويفصل هذه الأركان المربعة منطقة مستطيلة شغلت بكلمة (محمد) بالخط الكوفي الهندسي (المربع) باللون الذهبي على أرضية زرقاء داكنة اللون، يحيط بها من الجانين زخازف نباتية محورة على شكل ورقة نباتية منفذة باللون الأصفر والأخضر الزيتوني.
وتعد المئذنة تحفة معمارية مبنية من الحجر الجيري، وتتكون من ثلاثة طوابق مغطاة بزخارف ونقوش كتابية، ورغم أنها بنيت في عهد محمد علي باشا، إلا أنها متأثرة بالعمارة الإسلامية السابقة المملوكية والأيوبية.
وتولي محافظة الشرقية ووزارة الآثار اهتماما كبيراً لوضع مسجد محمد علي في إطار خطط إعادة ترميمه، للحفاظ على طابعه المميز والفريد من نوعه، مقارنة بباقي مساجد المحافظة.



