"صبرى موسي" .. وذكرى رحيل رائد أدب الصحراء والرحلات
تنشر "بوابة روز اليوسف" بالتفاصيل والصور نبذه عن الكاتب الكبير صبرى موسى" "1932- 2018"، الذي تمر اليوم 18 يناير ذكرى رحيله، حيث يحتل مكانة كبيرة فى الوسط الثقافى، خاصة أنه من الكتاب أبناء مجلة صباح الخير بمؤسسة روز اليوسف الصحفية، حيث كان كاتباً متفرغاً فى روز اليوسف، وعضواً فى مجلس إدارتها، ثم عضواً فى اتحاد الكتاب العرب، ومقرراً للجنة القصة فى المجلس الأعلى للثقافة وقد ترجمت أعماله لعدة لغات.
كما نستعرض من خلال السطور التالية قصة حياته وكتبه ورحلته في عالم الكتابة وقدرته على التميز فى أدب الصحراء والرحلات وتأثره بالبيئة الصحراوية التي لم ينافسه فيها أحد من الكتاب حتى الآن.
بداية الحكاية
يعد "صبرى موسي" كاتباً وروائياً وصحفياً وسيناريست كبيراً، ويعد أحد أبرز كتاب القصة البارزين فى مصر، إذ رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم، عن عمر يناهز 86 عاماً، بعد أن قدم أعمالاً عبر مسيرته الإبداعية المتميزة.
واستطاع الكاتب صبرى موسي، أن يمسك بحجر زاوية وحده فى عالم الابداع، وإن تحدثنا عن دائرة الإبداع العربى فهو فى المركز منها، حيث استطاع أن يحرك الحياة الابداعية وهو طفل مولود فى دمياط من شمال مصر ليصبح أحد أهم مبدعيها فى القرن العشرين.
فساد الأمكنة
وبرزت أعمال الكاتب الكبير صبرى موسى وسنجد من الروايات "حادث نصف المتر، فساد الأمكنة، السيد من حقل السبانخ"، أما قصص قصيرة فنجد مجموعات "القميص، وجها لظهر، حكايات صبرى موسى، مشروع قتل جارة"، وفيما يتعلق بسيناريوهات الأفلام "البوسطجى، الشيماء، قنديل أم هاشم، قاهر الظلام، رغبات ممنوعة، أين تخبئون الشمس"، ومن أدب الرحلات "فى البحيرات، فى الصحراء، رحلتان فى باريس واليونان، رحلة النسيان".
النشأة
كان والد الكاتب صبرى موسى تاجراً من دمياط، وقد ولد الطفل فى مركب نيلى، وعمل عاماً مدرساً للرسم قبل أن يحترف الصحافة، وبالتأكيد كان لكل ذلك أثر وصدى فى حياته، ربما من أجل هذا صار الكاتب صبرى موسى رحالة يتتبع الجمال.
مجلة صباح الخير
لم تكن الرحلة فى حياة الكاتب صبرى موسى مجرد زمن يقضيه فى مكان ما، ولم يكن من أجل البحث عن الغرابة، بل كان من أجل اكتشاف الذات، فقد كان يضع خلف مكتبه فى "مجلة صباح الخير" خريطة لمصر، ينظر إليها طوال الوقت، يختار منها ما ينوى الذهاب إليه، ثم يكتب عنه، يتحدث عما يعرفه حتى إن بدا غريباً وجديداً، كانت له واقعيته المختلفة، وربما لا يصدق الكثيرون أن كثيراً من قصص صبرى موسى استمدها من الواقع من أناس التقاهم فى حياته ورحلاته.
رحلات موسي
ومن أبرز رحلات صبرى موسى، كانت زياراته إلى منطقة البحيرات، ويمكن القول لقد كان الكاتب صبرى موسى سبباً فى أن الدولة غيرت توجهها من منطقة البحيرات فى شمال مصر، كانت التوجه لتجفيف هذه البحيرات، لكن ما كتبه الكاتب صبرى موسى جعل جمال عبد الناصر يعيد النظر فى هذه القضية.
أدب الصحراء
لقد أحب صبرى موسى الصحراء، كما أن الصحراء بادلته المحبة أيضا منحته أسرارها، أفادته فى مرحلة مرضه، ففى أخريات حياته أصابه المرض، عانى من جلطة لمدة خمسة عشر عاما، كان تقريبا لا يرى الشارع إلا للضرورة، لذا فقد أفادته الصحراء عندما علمته الصبر، جعلته قادراً على تحمل الصمت، والجلوس فى هدوء، منحته جلدا فى تحمل الألم.
ظل الكاتب صبرى موسى خمسة عشراً عاماً على كرسى متحرك، يتأمل ما حوله، مستفيداً من امتداد الصحراء، التي جعلت مزاجه صوفيا يرى خلف كل شيء بسيط معنى كامناً، حتى الألم واحتماله، صارت له رؤية فيه.
منحته الصحراء روايته الأروع "فساد الأمكنة" لكن عنوان الرواية منحه له البحر، فذات مرة كان الكاتب صبرى موسى فى الإسكندرية، يقضى الصباح الباكر فى تأمل البحر المتسع، لكن ما إن أطل الصباح بوجهه وبدأت الشمس تعلن عن وجودها حتى بدأ الناس فى التوافد إلى الشاطئ، وراحت الضوضاء تحتل مكان "الهدوء" والصخب بدلا من "الطمأنينة" حينها أطلت فى رأسه جملة "فساد الأمكنة" ورأى أنها مناسبة جدا لعنوان الرواية التي يعمل على كتابها عن الصحراء وأسرارها.
جوائز ابداعة
كما حصل الكاتب صبرى موسي على العديد من الجوائز تتويجًا لمسيرته الإبداعية، حيث حصل على عدة جوائز وتكريمات طوال مسيرته الإبداعية منها: جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب عام 1974، وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله القصصية والروائية عام 1975، جائزة «بيجاسوس» من أمريكا، وهى الميدالية الذهبية للأعمال الأدبية المكتوبة بغير اللغة عام 1978، وسام الجمهورية للعلوم والفنون عام 1992، جائزة الدولة للتفوق عام 1999، جائزة الدولة التقديرية عام 2003.
السيناريست صبرى موسى
كان الكاتب صبرى موسى كاتب رحلات، صحفياً، روائياً، قاصاً، وكاتب سيناريو يشار إليه بالبنان، حتى أن سيناريوهات مثل "البوسطجى، وقنديل أم هاشم" تظل علامات فى فن السيناريو، ولا يزال الباحثون عن المتعة والباحثون عن التعلم يرجعون إليهما كلما قصدوا فنا أو تعلما.
وهنا وجب القول إن صبرى موسى لم يأخذ حقه عن هذين العملين، كما ينبغي، كيف ذلك؟
المعروف أن العملين مستوحيان من أعمال الكاتب الكبير يحيى حقى، لكن ما فعله صبرى موسى أنه بث فيهما طاقة جديدة، وجعل اسم يحيى حقى على لسان فئة جديدة من المتلقين هم محبو السينما.
ومما يذكر فى شأن اتقان صبرى موسى لكتابة السيناريو، أنه استضاف صديقاً صعيدياً فى رأس البر لمدة شهر يتحدث معه ويسأله عن الصعيد وطقوسه وعاداته، دون أن يقول له إنه يكتب سيناريو فيلم "البوسطجى" وذلك كى يأخذ الضيف راحته فى الكلام، ولا يتأثر بفكرة أن ذلك الحديث مقصود منه الاستفادة منه.
ومما يحسب للسيناريو، أنه فى سنة 2019 وبعد عام من رحيل الكاتب صبرى موسى، قام طلبة فى جامعة السوربون الفرنسية بتقديم مشروع دراسة لهم عن فيلم "البوسطجى" ووجهوا دعوة له كى يشهد حفلهم، لم يكونوا يعلمون بأنه رحل فى سنة 2018.



