الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

فاطمة ناعوت: رمضان في مصر لا شبيه له في أي بقعة

فاطمة ناعوت: رمضان
فاطمة ناعوت: رمضان في مصر لا شبيه له في أي بقعة
كتب - محمد خضير

أكدت الكاتبة فاطمة ناعوت، أن لمحة واحدة تكفي لتستنتج كثافة عدد الأطفال في هذا الشارع، أو ذاك. ولمحة أخرى تخبرك عن متوسط أعمار هؤلاء الأطفال، أو إن كان من بينهم صبية أكبر سنا في شهر رمضان.

وقالت ناعوت، فى تصريحات خاصة لـ"بوابة روز اليوسف" إنني أحب هذه اللعبة في رمضان "لعبة التجول في شوارع القاهرة"، والحدس بأعمار أطفالها، دون الحاجة لأن أراهم.

وشددت على أن رمضان في مصر لا يشبهه رمضان أية بقعة من بقاع الأرض، فهو في مصر أجمل وأكثر ثراء، ويعرف المصريون كيف يخلقون من مناسباتهم الدينية طقوسا دنيوية مبهجة، فيغنمون المتعة الروحية والاجتماعية في آن، ويعرف الأطفال المصريون كيف يجعلون شوارعهم تختال ألوانا وفرحا في رمضان، حتى لتكاد ترى الشوارع والحواري والأزقة تضحك، وإن أصخت السمع، سوف تسمع هذا الشارع يقول: "لدي أطفال كثيرون يغسلونني بالفرح. 

وقالت إنه في هذا البيت وحده سبعة أطفال، بنتان وخمسة أولاد، وفي البيت ذاك الذي على الناصية توءمان في الصف الرابع، وفي الدور الثالث من تلك العمارة العالية ولد وبنت، هم جميعهم من رسموا صفحتي بالألوان. حين أبصرتهم يجهزون بكرات الخيط، وقصاصات الورق الملون، ومحلول النشا والصمغ، أدركت أن شهر رمضان سيطرق الباب بعد برهة. 

وأوضحت، أن أطفالي كما ترون صغار، لذلك مددوا بين نوافذي خيوطا مشبوكا بها مثلثات من الورق الملون، ثم علقوا بينها فوانيس صغيرة من الورق المقوى، وبالحارة المجاورة لي، لديها صبيان وبنات أكبر عمرا، قدروا أن يصنعوا ذلك الفانوس الضخم بعيدان الخشب والخيزران وشرائح الزجاج الملون والكرانيش الكوريشة. بعد عام أو عامين سوف يكبر أطفالي ويصنعون لي فانوسا أكبر من ذلك الذي تتيه به خيلاء جارتي الحارة الضيقة!".

كما شددت على أن شوارع مصر في رمضان لا تعرف شيئا عن الأزمة الاقتصادية العالمية، لا يعنيها مفردات من قبيل التضخم وانهيار الجنيه والركود والبطالة والعطالة، وشوارع مصر تصر على الفرح رغم الفقر ورغم العوز ورغم الأوبئة والمرض والفساد الضارب في الشارع.

وقالت ناعوت، ليس ضروريا أن يكون أطفال الشارع من أبناء الأثرياء حتى يزينوا شارعهم، ربما العكس هو الحادث، تجول في أرجاء مصر لتكتشف أن البسطاء هم القادرون أكثر على صناعة الفرح! هم المصرون أكثر على عدم التفريط في بهجة ينتزعونها انتزاعا من فم غول شرس اسمه العوز أبناء الشارع الأرستقراطي سوف يشترون زينة رمضان جاهزة من محال الزينة، رقائق من البلاستيك زاهية الألوان فيما رمضان يكون أكثر فرحا في الحارات الفقيرة، لأنه يحب أن يصنع أطفالها زينته بأيديهم.

وأضافت أن رمضان لا يحب الملابس الجاهزة فأبناء الحارة الفقيرة سيجمعون قروشهم القليلة لشراء بعض الصمغ. ثم تجود كراساتهم وكتبهم القديمة بأوراقها، ويقوم مقص إحدى الأمهات بمهمة تحويل تلك الأوراق إلى مثلثات ومربعات ومعينات ودوائر، وسوف تمنحهم إحدى الأمهات الأخر بكرة خيط باقية من خياطة كسوة لحاف قطني، "ينام الآن فوق الدولاب انتظارا لفصل الشتاء"، وربما تتبرع أم أخرى بكيس نشا، كانت تدخره لصناعة بعض أطباق الأرز باللبن لصغارها. 

وقالت، ناعوت :زرت العديد من بلاد العالم العربي في رمضان، فرمضان هناك صامت وخامد لا يختلف عن بقية شهور العام، ورمضانهم لا يشبه رمضاننا، فرمضاننا حي يتكلم ويغني ويزغرد، فالشارع المصري يعرف كيف يستقبل شهر الصوم بما يليق به لذلك يحبنا رمضان ويحب أماسينا وسهراتنا.

كما قالت، إننى أحب صوت محمد رفعت حين يرفع الأذان وقت المغرب، بعدما يتأكد أن كل الشوارع قد انفض الناس عنها، ليتحلقوا حول أكواب الخشاف على موائد الإفطار، وبعدما ينطلق المدفع من قنوات الإذاعة المصرية، صوته العميق الآتي من مسارب الجنة يجعل الزمن يتوقف، والأرض تسكن عن دورانها، الأرض تنتبه أن تلك اللحظة ليس من شبيه لها في الدنيا بأسرها، لأن لا مكان بكل الدنيا أنجب صوتا يشبه صوت سيد النقشبندي حين يقول: "مولاي إني ببابك قد بسطت يدي، من لي ألوذ به إلاك يا سندي؟".

 

تم نسخ الرابط